شعر فصحى
فهمي الصالح
سَنَوَاتُكِ فِي دَمِي تَتَشَظَّى
فهمي الصالح *
دَمْعُكِ غَاضِبٌ كَبَحْرٍ اِعْتَزَلَتْهُ الْأَرْوَاحُ الْهَادِئَةُ
دَمْعُكِ هَذَا الَّذِي يُشْبِهُ هَالَةَ خَوْفٍ فِي دَمِ الصَّحْرَاءِ
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُنْسَابَاً كَأُمْنِيَةٍ جانِبِيَّة لِلْاِسْتِرْخَاءِ فَقَطْ.!
فَهُوَ كَوَجْهِكِ الْمُتَقَهْقِرِ يَعْكِسُ مَوْقِفَاً مُزهِرَاً لِلاِنْكِسَارِ
لا يَخْتَفِي مَعَ الرِّيحِ حِينَ تَطْرُقُهُ أَخْشَابُ النَّوَافِذِ المهجورة.!
وَجْهُكِ أَيْضَاً كَمَنَارَةٍ عَمِيقَةِ الضَّوءِ تُؤَذِّنُ صَلاَةً مَكتُومَةً.!
سَنَوَاتُكِ التَّتْرَى فِي دَمِي تَتَشَظَّى كَنُجُومٍ قلِقَةٍ أَو تَتَبَخَّرُ
عُمْرِي الْقَصِيرُ حِينَ يَصْهَلُ فِي عَزاءَاتِ دُرُوبٍ سَيَطُولُ
عِنْدَ بَابِكِ الرَّاحِلِ بِكُلِّ جِهَاتِ الْبُعْدِ عَنْ وَجْهِي الْحَزِينِ.!
سَنَوَاتُكِ تَتْرَى فِي دَمِي تَتَشَظَّى كَدَمْعٍ مُحْتَرِقٍ فِي ضَبَابٍ
وَطُوفَانُكِ يَبْقَىَ كَذِكْرَى مُخَرَّمَةٍ بِالنُذورِ.!
تَمَائِمُكِ الْأَوْسَعُ مِنْ شُهُودِي اِبْتَلَعَتْ سَمَائيَ بِنَعِيقِهَا
لَيْلِيَ خَافِقٌ عَتِيقٌ سَجَّرَتُهُ نَايَاتٌ مَذْبُوحَةٌ وَأَمَانٍ تَنُوحُ
مَعَ الْغِيَابِ بِغَيْرِ حَطَبٍ وَلاَ خُبْزٍ وَلاَ شَفَاعَاتٍ.!
ذَلِكَ الشُّعَاعُ الْيَتِيمُ جَرَّحَنِي بِالظَّلاَمِ الْأَلِيمِ مِرَارَاً
هَا هُوَ يَبْرُقُ مِثْلَ شَفْرَةٍ فِي وَجْهِ قَمَرٍ ضَئِيلٍ.!
مُسْتَحِيلٌ لِوَجْهِكِ بِكُلِّ لَذَّةِ الطَّيَرَانِ أَنْ يَأْخُذَنِي
إِلى مَطَرٍ يُطَهِّرُنِي مِنَ الْنَّارِ وَيَغسِلُنِي مِنَ الدُّخَانِ.!
أَنْتِ الْحَيَاةُ تَكَسَّرَتْ أَورَاقُهَا فِي مِعْصَمِي وَجَبِينِي
ذَلِكَ الصِّفرُ الْمُوَشَّحُ صَادَنِي بِحُرُوفٍ رَمَادِيَّةٍ الْمَعْنَى
كَمَأْسَاةٍ شَرِسَةٍ تَعْصِرُونِي فِي وَادِي الْبلِاَدِ الرَّخْوَةِ
وَرُؤَاي الْمُسَجَّاةُ فِي زِنْزَانَةِ التَّزْوِيرِ نَهَبَتْ خَلاَصِي
تَارِكَةً أَحْلاَمَ عُمْرِيَ تَرْتَعُ ثُمَّ تَدْمَعُ بِالْثآلِيلِ.!
قَلْبِي الْمُمَزَّقُ بِالْقَصَائِدِ حِينَ يَلْثَغُ حَامِيَاً بِالْحُبِّ
سَيَنْطِقُ وَرَاءَ حُلُمِكِ بِي يَا آخِرَ الشَّهَقَاتِ.!
السَّنَوَاتُ تأْخُذُنِي إِلى حَجَرِ الْقِرَاءَةِ دُونَ وَعْدٍ
تَأَخُذُ راحَتِي خَطْفَاً عِنْدَ أَنْصَالِ سَكَاكِينٍ ثَمِلَةٍ.!
لا شَيءَ فِي الذِّكْرَى سِوَى نِثَارِ قَلْبِي وَالصَّقِيعِ
وَالْأَغَانِي تَسَابِيحُ الطَّبِيعَةِ تَحْتَ أَشْجَارِ الْغِيَابِ
ومَلاَمُحُ الْفُوضَى الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا فِي نَبْضِ غَبَاءٍ
أَسْبَغَتْ رُؤَانَا بِسُخْرِيَّةِ مَشَاهِدَ مُكْتَظَّةٍ بِالْعَطَبِ
وَكَانَتْ تُشْبِهُ وَجْهَكِ الْمَقْتُولِ فِي صَخَبِ اِكْتِمَالٍ.!
وَجْهُكِ: الْخُلاَصَةُ وَالْخَلاَصُ مِنْ تِلكَ الْأَفَاعِي
شَفِيعُنَا فِي مَغْرِبِ الْحُبِّ وَشَكْوَانَا وَأَحْزَانُ النِّهَايَاتِ
وَأَنَا قَابُ قَوسَينِ وَأَدْنَى:
– مِنْ رَحِيلٍ إِلى مَجْهُولٍ أَمْضِي مَعَكِ مُضِيئَاً بِعَتْمَتِي
– مِنْ رَحِيلٍ إِلى حَرْبٍ لا يُدَانِيها رَقْمٌ وَلاَ سِلاَحٌ
وَأَنْتِ – كَمَا أَنْتِ .!!
أُنْشُودَتِي الَّتِي تَنَامُ بِجَعْبَتِي وَحَرْبَتِي وَنَوْبَةُ حِرَاسَتِي
مَوْتِي وَأُغْنِيَتِي وَكُلُّ مَا تَبَقَّى مِنْ حُظُوظِ مَتَاهَتِي
وَالْمُسْتَحِيلُ الْجَمِيلُ فِي عُمْرِي الْقَصِيرِ حِينَ يَصْهَلُ فَاغِرَاً
عِنْدَ بَابِكِ الرَّاحِلِ بِكُلِّ جِهَاتِ الْبُعْدِ فِي التَّرْحَالِ وَالْأَقْفَالِ
وَالْمَوْتِ الْأَنِيقِ وَالْبَقَاءِ الْمُرِّ وَالشَّرْخِ الْمَهُولِ وَغُرْبَتِي
سَيَبْقَى دَائِمَاً وَجْهِي الْحَزِينْ.!
………………………………………
* شاعر عراقي