شعر فصحى

فتحي قمري

ليس سوى منمنمة

في حانة الشّعراء
و قطّاع الطّرق
و الصّيادين
و سائر المجروحين
كلّ ما يحدث جميل:
مزاج راقصات في خريف العمر يتزاحمن على غرف تغيير المشاعر
طلاء الجدران و رطوبة الهواء المليء دموعا ودما
صور المجاهدين القدامى وهي تنادي
الأنوار التي اتّخذت أوضاعا مختلفة
رقرقة النّسيان أكوابا و دخانا يحلّق حيث شاء
و مناديل الورق المدعوكة بمشاعر اختلفت أصابعها
في حانة ضجّت بالسّعال و أنهكها اللّيل
كلّ ما يحدث ليس بعيدا عن حكاية أغضبت أبطالها عندما جفّ الحبر
ما يحدث ليس سوى منمنمة .

بعد قليل
بعد ساعة، ساعتين
وربّما أكثر
سيحمل السّكارى أرجلهم و يركبون اللّيل
سيحتفلون بالمطر الخفيف يملأ جيوبهم بنكهة السّماء و أسرارها.
و يراقصون كلّ أعمدة النّور في الشّارع
كما لو كانت فساتين عرائس الماوراء.
سيلاطفون كلاب الشّارع العائدة توّا بعاهات ونباح مزّقه الجوع.
و لأنّ السّماء واطئة جدّا هذه اللّيلة
لن يركلوا بريد القمامة بنذالة الجياع
لن يتصدّوا للهواء البارد و هو يسري في معاطفهم
سيحتفلون كعادتهم عند نهاية الشّارع بعبارات الوداع الماجنة،
و بقهقهات أشدّ قتامة من ناصية الفجر
ستفترق نعالهم السكارى مثل أغصان.

بعد قليل
بعد ساعة، ساعتين
و ربّما أكثر
المشهد ذاته سيعيد نسخته
ستعبق الحانة برائحة السّمك
و أنفاس الشّعراء
و عويل أقدام أضاعت ظلالها فجأة.
سيكون للمقاعد هيأة قطّاع الطرق و غريزة ذئاب جريحة.
ستستعيد الأكواب رفوفها
و تحتمي ببهرجة الظّلام.
ستكون الأنوارُ هباءً يُنثر في غياب العصافير،
و القواريرُ أجداثَ نخلٍ أهانها اللّيل و لم يغادر ضلوعها.
ستزدحم العربة الرّابضة منذ أوّل اللّيل براقصات مجروحات،
و كأيّ شجرة مثقلة بالرّيح ستمضي نحو آخر اللّيل.
فقط
هي صور المجاهدين
ستظلّ تنادي و تتجرّع البرد،
في حين تزدحم غرف الملابس بمناديل الورق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق