زم الشيخ ربيع لحيته البيضاء بأصابعه ، حاول ألا تلتقى عيناه بعينيها ، لم تكن فرحانة
زوجة المنسوب تاجر المخدرات جميله ولا حتى بها مسحة من الجمال ليخاف الشيخ ربيع
على نفسه من الفتنة ، لكنه تعود أن يخفض عينيه طالما كان من يحدثه إمرأه ، تنحنح الشيخ ليفسح
لها وقتاً للكلام ، سقطت الدموع من عينيها رغماً عنها ، تهدهد الرضيع على صدرها ليكف عن البكاء
المتواصل ، الرضيع يتلوى على صدرها ، أشار الشيخ إلى الرضيع متسائلاً : ماله كفى الله الشر ؟
مسحت الدموع بظهر كفها : لا أعرف ، على هذه الحالة منذ الصباح وكأنه تذكر موت أبيه ياسيدنا !
أشار لها أن تواصل كلامها مواسياً : كلنا سنموت يا إبنتى ، ربنا يلهمك الصبر ، خير ان شاء الله .
لم تستطع فرحانه إيقاف شلال الدموع والنهنه : لا أجد ما أطعم به الأولاد يا مولانا ، مات المنسوب
ولم يترك لنا شيئاً وترك لى خمسة من الأولاد غير الذى على صدرى ، حتى الحرام الذى كان يتاجر
فيه سرقه أولاد الحلال وهو مريض ، رصدوا المخبأ فى الخرابه أمام المقهى وأخذوا كل شىء ، كل
ما نملكه ضاع فى ثوانى .
كلما عجز الشيخ عن مواساتها عاد ليتنحنح ويحكم عباءته حول جسده ، صمت وقتاً ثم بدأ يتكلم :
إن شاء الله سوف أقابل الإخوة بعد صلاة الفجر وسوف أحاول أن يجمعوا مبلغاً يساعدك على
المعيشه ، لا تقلقى يا ابنتى ربك لا ينسى أحداً ، مخطت فرحانه فى طرف جلبابها ومسحت أنفها
بكفها : لا يا مولانا أنا لم اّت إليك لهذا السبب ، رد الشيخ بدهشه : لماذا جئت إذن ؟
مسحت فرحانة عينيها بكفها : أنت تعرف يا مولانا أن سكان الحى أكثرهم من العمال الذين يعملون
فى المصنع ويصرفون أجورهم كل أسبوعين ، كانوا يأخذون البضاعه من المرحوم المنسوب ويدفعون
جزء من الدين كل أسبوعين ، زوجى قلبه كان مثل اللبن الحليب ، يقبل أعذارهم ولا يلح عليهم ، بعد
موته لم يدفع لى واحد منهم دينه ، أخبرنى بيونهم قبل موته ، أوصانى قائلاً : هذا حق الصغار يا فرحانه ،
والبضاعه كما تعلم يا مولانا كان يدفع فيها كل ما كان معنا .
تحير الشيخ كيف يجيبها ، هرش جبهته بقوة ، خرجت الكلمات من فمه بصعوبة :
ما المطلوب منى ؟ كأنها كانت تنتظر سؤاله فقالت على الفور : كل المدينين يصلون معك فى المسجد ،
لو تكرمت وطالبتهم بسداد دين المنسوب لأرملته سيسمعون كلامك ، أستطيع بعدها أن أربى أولادى
كبقية الناس
غمر العرق وجه الشيخ ربيع رغم البر الشديد ، ما عاد يزم عبائته حول جسده ولم تعد كفه تمشط لحيته
البيضاء ، عاد صوت فرحانه يدوى : الأولاد أمانة فى رقبتك يا مولانا ! لا تنسى أن الناس إشترت
برغبتها ، وأن ما باعه المنسوب إشتراه بأموال الصغار .
إعتاد الشيخ ربيع أن يأوى إلى سريره مبكراً ، ينهض من النوم قبل صلاة الفجر بساعة على الأقل ليمر
على بيوت الحى ليوقظ الناس للصلاة أملاً فى نيل ثواب المصلين ، ظل يتقلب فى فراشه طوال الليل لم يغمض
له جفن يسأل نفسه : هل يجوز أن يطالب المصلين بسداد دين المخدرات ؟ وإذا لم يفعل ، هل يجوز أن يترك صغار فرحانة للجوع ، الرجل إشترى المخدرات دفع فيها النقود ، لو لم يفعل لوجد الصغار النقود بعد موته !
إصطدم الشيخ بزوجته أثناء تقلبه صرخت : ماذا بك يا رجل ؟ تفرك طول الليل كالماكينة ، لم تنم وتكلم نفسك
كالمجانين ، إهدأ قليلاً حتى أستطيع النوم ، أدارت جسدها وراحت تعط فى النوم .
قفز الشيخ من فوق السرير وجلس على كرسى قديم بجانبه ، يكلم نفسه بصوت خفيض حتى لا يوقظ زوجته
الساخطة : مسألة خطيرة يا ربيع ، ليتها كانت طلبت بعض المال حتى منه شخصياً بدلاً من الموقف العسير ،
بقى يكلم نفسه حتى داهمه النوم ، لم يستيقظ من النوم إلا قبل الظهر بقليل ، حينما بدأ يدرك الأشياء وجد نفسه
يلعن فرحانة التى أضاعت عليه الفجر لأول مرة منذ عشرات السنين .