شعر فصحى

محمد المغربي

مناجاة
.
ما من باب يفضي إليك
ما من نافذة تطل على مرآب قلبك الخالي
ما من أزقة حجرية مبتلة بدموع حجاج القرون الوسطى
ما من أزهار يعزف المطر على بتلاتها لحنا قديما
ما من موتى نذكر أعضاءهم بالخير
ما من درج يخطف الأنفاس نحوك
ما من تاريخ يهذي خلفنا ، ويرمينا بقشور الذكريات
ما من طفل يصرخ بنا لنذكر أحلاما سقطت من حقيبة فراقنا الدائم
ما من بحيرة تمنحنا مقعد سنديان وصدرا لرأسين
أثقلهما شراب الشيب اللاذع ،
أو حتى نسمة باردة
نحك بها جلد صحرائك التي تسلخت تحت شمس الظهيرة القاسية
فلا شئ يلوح في الأفاريز المغلقة ، والحياة خلفنا بقليل
تبتعد كنقطة في فراغ هائل
ولا نسمع منها غير قهقهات هازئة مما كان
ولم يعد
وأنا مازلت هنا أنتظرك
أنتظر مالا أريد أن أذكره خشية أن ينبجس فجأة
فكما تعلمين
تلد الكلمات أشباحا آخر الليل
ألا تسمعين كل هذا العواء المنبعث من نوافذ الشتاء الموصدة
ألم تلحظي حوائط الـــ ( Ray Ban ) تلك ،
وكيف تحجب براكين لا تخمد إلا في الصباح ،
وفي كل نظرة تسكن سكين على أهبة الطعن
دعينا من كل ذلك الذي لا يمكن قراءته ولا حتى بمجهر الكراهية
وتعالي نمضغ بضع لحظات يابسة
لنطعم العابرين في أفواههم
أولئك اليتامى الذين فقدوا هيئاتهم
وبعض أسنانهم
مساكين
فقدوا الأثداء والحكايات دفعة واحدة
أو حركي الزمن قليلا كي أتمكن من طي شراعك تحت رأسي
انتظري ؟
سأشعل شمسا أخرى
وأقرأ حكاية حب كتبتها وأنا مستلق على أشواك دغلة حمضية
فالضوء هنا غير كاف لتحرير حشرات الغزل العفيف من بين أسناني
أو لحك نجمة مطفأة بقميصك المقدس
فبالأمس القريب كان الأخضر مروجا
والأزرق بحرا
والأحمر شفقا خالصا لدالي ،
كانت الظلال عرائس بحر يرقصن السالسا مع الريح
كانت كل موجة تحمل رائحة الفراء الكثيف لثعالب الضفة الأخرى
ومشابك شعر لا يكف ـ طوال الصيف ـ
عن التلويح لبحارة يمضغون الشبق والتنبول بأسنانهم القديمة
كان بعداً آخر يسكن كل شئ ،
كان ما هو قادم يضفي مسحة من الفرح حتى على سحنة الفناء الهزيل
حتى مواطن العفة كانت مصدر إلهام لكثير من دببة العسل
كان الأمل معقودا حول معصم أكثر الكائنات وحشية
وفوق كل كاحل أحصنة برية تلاحق أحصنة برية
كان عالما ثلاثي الأبعاد يدور في جداريات الطلاء المصاب بالرطوبة ،
كانت مزينة بما لم ندركه حينها من أيائل ووعول وماعز جبلي
كانت تركض وتركض مدفوعة بحريق الرغبة الأحفوري
حتى تقع في الحب
ثم لاتنهض ولا تنفض قلوبها من غبار خلفه نهر غريب الأطوار
يجذب أنظار الشجيرات المراهقة
بلحن شائن عن الوحدة والحنين وأحمال القاع
فنرسم على وجوهنا ـ بجهامة كهول السعال الدائم ـ
Junk وتعابير من نوع الــ
ذلك المفضل لدى عاشقات لا يمنحن ظهورهن إلا للمساحج والطرق السريعة
ثم لا نسمح لقلوبنا بأن تعرج
خشية أن يعرف الآخرون إلى أي مدى تضررت ملامحنا من حلم عابر
فتعزف نساء العتبات والذرة الصفراء مراثينا بمصمصة الشفاه
وما لا يقل عن إصبع في كل يد.
يلطمن أفخاذهن من الحسرة .
كم هي حنونة تلك النظرات التي كانت تنبح خلفك
لا تزجرها ؟
كنت تهمسين عميقا : لمطرقة البلوز
دعها تمزق بعض الوقت بمخالبها المطلية بالمخمل
فلا شئ نفعله ـ بعدُ ـ غير إعادة طي الندم وتقطير الدموع
وتقبيل ماضينا الذي فارق الحياة لتوه
كان ضعيفا ـ دائما ـ أمام الفوهات المحترقة ومزابل عصر النهضة
يكتب الرسائل لنجمة الصبح مرتين أو أكثر في الليلة الواحدة
كان فاسقا كزهرة أوركيد حمراء
ومجنونا كمزيلات العرق الرخيصة
مهووسا بعلاقات القطط النسائية
محبوبا كالوجبات السريعة
يقضي عطلته في تكسير القلوب على صخور الشاطئ
ورفع تنانير الكواكب السيارة
كان لا يأبه لوقار الثلوج
أو عهر الشفق القطبي
أو علامات الزمن الضعيفة في الحب
كان كثيرا ما يرفع عقيرته بالعواء كساقطات الأوبرا البدينات
وجدوه يوما يرضع آلة حادة
كانت مسنة ومستسلمة كسكين مطبخ قديم
عديمة الجدوى كالعلوم الإنسانية
كان يكره الكذب وفول الصويا
كان يحب أن يقال له :
م
ح
م
د
فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق