الثقافةعالم القصه

احمد المراد

قنديل الشارع

زحفت نظراتي ببطء فتسلقت حقيبة إمرأة مسنة كانت تقف أمامي ، إقتربت منها بهدوء وغرست يدي لأسحب ورقة من فئة عشرون جنيهآ ، ” يجب أن أحصل على المزيد فأنا اليوم أشتهي الدجاج ” ما أن وضعت أصابعي حتى صرخت العجوز ” حرااااااامي ” ، عدوت مبتعد عن محطة البص أبحث عن مخبأ لي ، أربعة رجال كانوا يطاردونني ، شعرت بدوار وضيق في التنفس ومن ثم سقطت على وجهي ، المسافة بيننا كانت كبيرة وكافية لأن أسحب جسدي وألقي به إلى حائط أسمنتي كمصاب يصارع طلقة نارية ، صب واحد منهم الماء على رأسي فأصدرت صوت أقرب للوشوشة ..
” أخبر الشرطة بمكاننا نحن سنحرسه إذهب ”
صوت أقدامه وهو يبتعد مدني بالقليل من القوة لأحرك يدي وأتحسس بها وجهي المتورم وندباتي القديمة ، وددت لو أنهض وألكم أحدهم مثلما فعلت قبل شهر ونصف حينما قمت بخطف تفاحتين من طاولة بائع الفواكه .
وأنا أفكر في ” كيف أخلص نفسي ” توقفت بالقرب منا سيارة بيضاء تزمجر ، سلطت أضواءها الكثيفة على عيني ومن ثم ترجل منها جنود مسلحين ، حملوا جسدي المتعرق وألقوا به داخل الصندوق ، كنت أنظر للسماء هربآ من أعينهم المتحجرة صوبي من أسئلة لا ولن أملك لها الإجابات .
تحركت السيارة بعدما جلس الجميع حولي ، نسمة باردة حطت على خدي فأنعشت روحي ، أغمضت رأسي كي أسترجع الذكريات ، أمممممممم أنها الليلة الأولى لي في جسد أمي ، ها أنا أصارع للبقاء ! ، أراني بكل وضوح ، أراهم يقبلان بعضهما بحنو ، إحساس بالدفء يتملكني ، أسمع كل ما يدور حولي ” أحبك جدآ يا عزيرتي .. لن تحبك إمرأة قط مثلما أحببتك يا عزيزي .. سننجب عشرة أطفال .. ههههههههه ولد وبنت هذا يكفي يا طماع .. سنتزوج قريبآ وأطوقك بذراعي أمام المدينة لا هذه الغرفة ” .
أمي و أبي
كان الورد يحصل على العطر كلما إلتقيا ، كنت أسعد لسعادتهما وأحب رائحة أنفاسه حين يقترب منها ويذوبان في قبلة عميقة ، ولكن شئ واحد جعلني حزين وهو أن لا أحد منهم خاطبني ، ألا يعلمان بوجودي ؟ .
أذكر جيدآ يوم صرخت أمي وهي داخل الحمام ” يا إلهي ” ، بعدها صارت تلمس بطنها بطريقة دائرية ، يومها خرجت لملاقاته فرحة ، أمسك بيدها وأخبرها بأنه سيسافر إلى الخارج والبسمة تزين وجهه ..
و أردف
سيتحقق حلمي لن أطيل السفر سأعود إنتظريني هذه فرصة لن تتكرر .
عادت إلى البيت والحزن ما فارق قلبها ، تسأل نفسها هل كان علي أن أخبره بحملي
لا لن أكسر جناحيه وعدني وسيوفي .
ستة أشهر من الدموع عاشتها أمي كي ترضخ لمشيئة كهل تناديه أبي ، كنت أنتظر لحظة خروجي لأمسح دمعها ولكن ما ان خرجت حتى حملني شخص يلف وجهه بقماشة بيضاء وسار بي إلى حيث بنايات عالية ، وضعني أعلى كومة رمل ليلآ وإختفى ، أطلقت صرخة عاجزة وصرت أرفس بقدمي الأرض ، ما هي إلا لحظات وقد تجمهر حولي الناس يسبحون .
حملني رجل بيديه القويتين ووضعني بقربه داخل شئ يهتز ، صراخي بدا جاف أكثر والضياع تشكل بي .
حين بلغت السابعة خططت لهروبنا من الملجأ بعد أن قمت ورفاقي بفقع عين أحدهم ، كان يضربنا كلما سنحت له الفرصة ، يجبرنا على سرقة الطعام من المطبخ وتقديمه له خلسة ، كان يمارس علينا شتى أنواع التعذيب الجسدي واللفظي ، كان يكبرنا سنآ .
في ليلة ماطرة خرجنا عبر مجرى للماء أسفل جدار الملجأ ، أجسادنا النحيلة تقاذفتها الرياح وهوت بها إلى مظلة في الطريق العام ، جلسنا القرفصاء نبتغي الدفء وأسناننا ترجف حد البكاء .
عام تلو الآخر ونحن جنبآ إلى جنب ، نفترش مصارف المدينة مع القطط والكلاب ، ننهش أكياس الأطعمة التي يقذف بها أصحاب المطاعم في الهاويات و تنتفض قلوبنا كلما سمعت زمجرة السيارات .
سيعاقبونني مثل كل مرة ” ضربآ بالسوط ” ، لا أريد العودة إلى الملجأ لذا لا ولن أخبرهم بسري ، في الشارع أصدقاء ينتظرون .. مرايات متسخة .. والكثير .
أمي التي لم أتحسس صدرها ما زال صوتها يداعب أحلامي .
هل تكتم الأسرار ؟
زج بي الجند هنا منذ البارحة ، هل تسمعني أيها الحائط ؟ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق