الثقافةشعر فصحى

صالح لبريني

مُفْرَدٌ بِصِيغَةِ الْعُزْلَةِ
صالح لبريني
شاعر من المغرب
(1)
وَأَنْتُمُ
أَيُّهَا النَّازِحُونَ إِلَى بَابِ الْعُزْلَةِ
تَذَكَّرُوا خُطُوَاتِكُمْ الْمَشْحُونَةَ بِالْتِبَاسِ التِّيه
أَنَاشِيدَكُمْ الْمَمْسُوسَةَ بِوَجَعِ الْكَمَنْجَاتِ
أَيَادِيكُمْ الطَّافِحَةَ بِمِلْحِ الْأَيَّام
الْوُجُوهَ الْقَادِمَةَ مِنْ مَدَاشِرِ السَّأَم
عَوِيلَ الْأَرَاضِي النَّابِحَ فِي جُرْحِ الْغُدْرَانِ
ظِلَالَكُمْ الْحَارِسَةَ شَجَرَ الْعَائِلَة
وَاحْرُسُوا مَا تَبَقَّى مِنْ غَيْمِ الْبَارِحَة..
(2)
وَأَنْتُمْ
أَيُّهَا الْمُقِيمُونَ نَاحِيَةَ النِّسْيَانِ
اِشْرَعُوا قُلُوبَكُمْ لِنَهَارَاتِ الْبَحْرِ
تَمَّ صَيَّادُونَ عَائِدُونَ مِنْ الْغَيْبِ
مُحَمَّلُونَ بِشَوْقِ الرِّيَاحِ
بِيَأْسِ الشِّبَاك
بِرَسَائِل غَرْقَى مُتْرَعَةِ بِتَعَبِ الْوَطَن
وَعَانِقُوا شَهْوَةَ الشَّمْسِ لِقَمَرٍ سَابِحٍ فِي الْآتِي..
(3)
وَأَنْتُمُ
أَيُّهَا الضَّالُونَ فِي عَتَمَةِ الْقَصِيدَة
خُذُوا اسْتِعَارَاتِ الْحَيَاةِ
تَشَابِيهَ اللُّغَةِ
كِنَايَاتِ الْخَيَال
زَادَكُمْ فِي حَيْرَةِ الْمُحَال
فَمَا أَضْيَقَ الْمَجَازَ فِي رَحَابَةِ الْخَرَاب..
(4)
وَأَنْتُمُ
أَيُّهَا الصَّادِقُونَ فِي الدَّهْشَةِ
رَبُّوا الْحُبَّ قِنْدِيلَ الْأَقَاصِي
الْصَّمْتَ أُرْجُوحَةً لِضَجَرِ الْوَقْتِ
النَّشِيدَ بَوَّابَةً لِخُلْوَةِ النَّايْ
السّمَاءَ حَدِيقَةً لِأَرْضِ الْمَوْتَى
وَارْعَوْا عَصَافِيرَ الصَّبَاحِ
عَلَى نَخِيلِ الْبَلَدْ..
(5)
وَأَنْتُمْ
أَيُّهَا الْمَوْتَى
رَتِّبُوا قَبْرِي كَمَا أُرِيدْ
سَأَكُونُ مُفْرَداً بِصِيغَةِ الْعُزْلَةِ
مَصْحُوباً بِذِكْرَيَاتٍ ضَالِعَةٍ فِي الْحَيَاة
بِنَظَرَاتٍ جَائِعَةٍ إِلَى السَّمَاءِ
بِقَلْبٍ فَارِغٍ مِنْ دَمِ الْعَشِيرَةِ
بِقَدَمَيْنِ تَحْرُسَانِ تَعَبَ الْخَطْوِ
وَيَدَيْنِ لَمْ تَسْرِقَا غَيْرَ ضَوْءِ الْخَفْقِ
وَأَخْطَاءٍ كَثِيرَةٍ فِي مَدِيحِ الْأَشْجَارِ
غِبْطَةِ الْأَنْهَارِ
يَقْظَةِ الْقَطِيعِ كُلَّ صَبَاحٍ
وَفَاتِحَةٍ
وَانْتَظِرُونِي بِفَارِغِ الصَّبْرِ
عَلَّ
الْحَيَاةَ
تَنْقُضُ عَهْدَهَا
وَتَرْمِينِي جُثَّةً لِلتُّرَابْ..
(6)
وَأَنْتُمْ
أَيُّهَا الْعُشَّاقُ
ابْتِكِرُوا لِلْقَلْبِ حَدَائِقَ الْوَصْلِ
وَاطْرُدُوا الْفَصْلَ مِنْ بَلَاغَةِ الْبَوْحِ
لَا إِطْنَابَ فِي الشَّوْق
إِذِ الْإِيجَازُ مُعْرَبُ اللَّفْظِ
وَلَا مَعْنَى يَسْتَطِيبُ سَعَةَ الْفَيْضِ
أَثِّثُوا الْخُلْوَةَ بِنُونِ النِّسْوَةِ
فَضَمِيرُهُنَّ فِي الْغِيَابِ يُعْرَبُ
وَانْثُرُوا مَاءَ الْمَحَبَّةِ عَلَى أَرْضٍ
بِالْحُرُوبِ تَنْتَحِبُ
وَأَوْقِدُوا الْمَحَارِيبَ بِقِنْدِيلِ الْوَجْدِ
عَلَّ قَمَرَ الْحُبِّ فِي الْمَدَى يَتَأَلَّقُ
وَانْفُضُوا عَنِّي حَيْرَةً
مَالَهَا فِي الْخَوَافِي تَبْرُقُ..
(7)
وَأَنْتُمْ
أَيُّهَا الْمَشَّاءُونَ
اُطْوُوا الْأَرْضَ بِأَفْكَارٍ التِّيهْ
بِخَيَالٍ مَاكِرٍ
وَخَطْوٍ يُهَادِنُ جَلَبَةَ الْمَسَالِكْ
غَنُّوا لِقَوَافِلَ تَلْتَهِبُ بِغِبْطَةِ الْغُرُوب
تَنْبَحُ عَلَى قَمَرٍ بَارِدِ الضَّوْءِ
وَتَشْرَعُ الْإِيقَاعَ عَلَى هُدْنَةِ اللَّيْل
وَاقْتَفُوا الظِّلَال الَّتِي عَبَرَتْ مُثْقَلَةً بِصَلَاةِ الطَّيْر
بِأَنْفَاسِ الْمَاء..
(8)
وأَنْتُمْ
أَيُّهَا الْجَنُوبِيُّونْ
رَبُّوا الْفَجْرَ فِي أَكُفِّكُمْ
الْمَاءَ فِي عُيُونِكُمْ
وَاخْفِضُوا لِلْقَادِمِ مِنْ وَجَعِ الْأَرْضِ
جَنَاحَ الْمَحَبَّة
فَرِّشُوا قُلُوبَكُمْ لِمَهَابَةِ الْأَدْغَال
وَارْقُصُوا ثُمَالَى عَلَى إِيقَاعِ الشَّمْس
تَمَّ
رَمْلٌ هُنَاكَ يَطْوِي نَهَارَ الشَّرْق
يَزْرَعُ غَيْبُوبَةَ الزَّيْتُونِ
وَيَنَامُ عَلَى أَرِيكَةِ الشَّمَال..

(9)
وَأَنْتُمْ
أَيُّهَا الْغُرَبَاءُ
يَمِّمُوا حَنِينَكُمْ شَطْرَ الظِّلَال
وَزِّعُوهُ أُغْنِيَةً تَجْرَحُ سَقِيفَةَ الْمَتَاه
ذِكْرِيَاتٍ تُلْهِبُ فَرَاغَ الْوَقْتِ
تَلْتَهِمُ أَنْفَاسَ الْفُقْدَانِ
بَيْنَ
وَجَعٍ يُسْدِلُ النَّوَافِذَ عَلَى الْفَرَحِ
وَوَجَلٍ يَلْعَنُ حَمَاقَةَ الْأَرْصِفَة
وَانْتَشِرُوا فِي أَرْضِ اللَّهِ
تَسْعَوْنَ لِعِنَاقِ الْأَبْوَابِ
وَأَيَادٍ مَشْحُونَةٍ بِعَرَقِ الِانْتِظَار
فَخَلْفَكُمْ شَمْسٌ نَائِمَةٌ
وَأَمَامَكُمْ نِسْيَانٌ يَقِظٌ
فَتَعَالَوْا
لِنَقْتَسِمَ خُبْزَ الْأَبَدِيَةِ
عَلَى مَائِدَةِ تَحْفَظُ سِرَّ الشَّجَرِ
وَجَرِيرَةَ الْمِنْشَار..

(10)
وَأَنْتُمُ
أَيُّهَا الْحَطَّابُونَ
رِفْقاً بِالْغَابَةِ
تَمَّ شَجَرٌ يُقِيمُ فِي ذَاكِرَةِ الْمَاءِ
يَقِفُ حَارِساً رَمْلَ الصَّحْرَاء
تُصَادِقُهُ حُشُودُ الْأَيَائِلِ
رَقَصَاتُ الْغَزَالَاتِ السَّابِحَاتِ فِي خَجَلِ التُّرَاب
هُدْنَةُ الْعَصَافِيرِ سَاعَةَ الظَّهِيرَة
مَهَابَةُ الْأَدْغَالِ فِي وَجْهِ غَارَاتِ التِّيه
تَمَّ مَنَاشِيرُ تَبْطِشُ بِأُكْسِجِينِ الْخُضْرَةِ
تَهْتِكُ غِبْطَةَ ظِلَالَ الْحَيَاة
وَتَجْرَحُ هَيْبَةَ الْهَوَاء..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق