رواية

د .وسن مرشد

قراءة برهان شاوي

التابو ، رواية ( متاهة الأرواح المنسية ) لـ ( برهان شاوي)، انموذجاً
بقلم : د. وسن مرشد
يعرف التابو: بإنه كل خط أحمر لا يقبل المجتمع تجاوزه وخرقه .
أسست هذه النظرة للكتابة الممنوعة من نطاق عرف اجتماعي رافض لخرق الممنوع والمحظور سابقاً، إلا أن النتاجات الأبداعية الجديدة حققت لذاتها وجوداً رافضاً لهذه القوالب الجاهزة، كاسراً للقيود والحواجز الممنوعة ، وبهذا يتحرر النتاج الأدبي من الرتابة المملة التي أحاطت به لسنوات عدّة.
والتابو أنواع منه (تابو السياسة ، تابو الدين ، تابو الجنس، تابو القبيلة) ، وهذا الأخير أخطر أنواع التابو ؛ لأنه يحمل الصورة الكلية للتابوات ، تحت سلطة عرف العشيرة والقبيلة.
( متاهة الأرواح المنسية ) حققت كمثيلاتها من المتاهات الأخرى الأنضمام إلى زاوية خرق الممنوع ، والخروج من قوقعة الرتابة الكتابية ، والنمطية السردية الجاهزة، لتولد لذاتها فكرة جديدة أرتبطت بـ (المتاهة) التي تشير إلى الضياع واكلتيه، والأرواح التي أقرب إلى الأشباح ، وارواح الموتى وخيالهم، أو ارواح وخيال من نعيش معهم إلا أن ظلالهم تشكل صورة موازية لظلال الموتى، لشدة طغيانهم ، و(المنسية) التي همشت من الآخر بسبب سيطرته ونفوذه.
نلمس في الرواية فكرة الجنة والعدالة الالهية، ويغلب عالم السحر على الكثير من اجزاء الرواية، وشخصياتها ليست ببعيدة عن شخصيات متاهاته السابقة( متاهة آدم، ومتاهة الأشباح، ومتاهة ابليس، ومتاهة قابيل، ومتاهة العميان، ومتاهة حواء، ومتاهة الانبياء) ، وهذه الأخيرة لم أقراءها بعد ، إلا أنها من العنونة تشير إلى انضمامها إلى مثيلاتها.
ففي سؤال ( حواء صحراوي) لـ ( آدم سميث) ، تقول:
” – هل أنت ملحد …؟
– فوجىء .. لم يفهم قصدها من وراء السؤال، فأجاب وكأنه يقدم تبريراً:
-لكنك ترفض المقدس..؟لاتعترف بأي مقدس..
-الإلحاد ليس نفي المقدس ولاهو نفي الشكل وساند للمقدس وإنما هو نفي مطلق لكل شيء..”
يحاول (شاوي) عن طريق متنه السردي هنا، أن يقدم جملة إستفهامية ( هل أنت ملحد؟) في إشارة إلى التشكيك في أمر الإيمان ونفي الدين، وماتعرضه هذه الجملة ، نوعاً من أنواع نقد الدين ، أمام رفض المقدس، وعدم الاعتراف بـ (المقدسات)، وهذا النص يشكل خرق معلن للمنوع.
ومما جاء في سرد شخصية ( ايفا الذهبي) ، القول:
” أنا متمردة على التقاليد الدينية والاجتماعية . لا اخاف من أي شيء .. حتى من الجن والشياطين، لا أخاف القرآن والدروس الدينية كانت إلزامية عندنا.. أذكر أنني حفظت جزء(عمّ) كاملاً حين كنت في سنواتي الأولى .. حضرتُ جميع الدروس والمحاضرات الدينينة الأسبوعية الإلزامية .. كنت أخاف من الربّ .. أتصوره جباراً .. مرعباً.. مستبداً يحب الانتقام وتعذيب البشر!!”.
ترفض(ايفا) الدين وأفكاره جميعها وفي قرارة نفسها تؤيد رفض التقاليد الدينية الاجتماعية ، وإنها لا تخاف ( من أي شيء) ، وأرادت الكل لا التخصيص ، لذلك يبدو أنها متأسفة على ضياع سنواتها الأولى في حفظ (جزء عمّ) ، وحضورها المحاضرات الدينية الأسبوعية الإلزامية ، آنذاك كانت تخاف من الخالق ؛ لأنها تظنه ( جباراً ، مرعباً، مستبداً، يحب الأنتقام وتعذيب البشر) ، وهو يوضح انقلاب الذات لدى( ايفا) مَنْ مرحلة الا خوف وإعلان حالة التمرد على تعاليم الدين.
وتمهد (ايفا) حديثاً عن عائلتها؛ لأن عائلة (ايفا) كانت متدينة وغنية جداً ، يعود أصلها – عائلتها- إلى الدولة العثمانية ، وعلى الرغم من هذا الأنتماء العريق، إلا أنها شخصية متمردة على التعاليم الدينية كلها، رغم اطلاعها على الكثير من الكتب السماوية ،تقول:
” عائلتي تنظر إليّ كمجنونة .. مريضة نفسياً .. مسكونة بالجن والشياطين.. لأنني ببساطة أنتقد مناسك الحج الوثنية .. فمناسك الحج كلها لها علاقة بالحجارة .. فهي طواف حول حجر .. ورمي الشيطان بحجر.. تقبيل للحجر.. حجر..حجر.. حجر.. هذا بعض ما اتحدث به مع أفراد العائلة .. وهكذا يتم ضربي وشتمي.. اخي الكبير يقول لي سوف أقيم الحد عليك يوماً.. تركت الدين من عشر سنين ولم أعد .. وحدت سلامي الروحي”.
شكل الفكر الايديولوجي ذو المعنى الوجودي المعلن للنقد ضد المقدس الديني وفكرة النص القرآني مساحةً واسعةً ضمن سردية النص؛ لأن اعلان(ايفا) هذا التمرد يخرج عن قناعة ذاتية ، إذ يجعل من الحجر غاية تنطلق عن طريقها للنقد، ولاتكتفي بهذا إذ تجعل من مناسك الحج مناسك للأوثان؛ لأن الحج كله عبارة عن حجر لديها.
طواف حول حجر+ رمي الشيطان بحجر+ تقبيل للحجر= حجر..حجر..رحجر..، إذ عمدت إلى التأكيد.
وفي موقع آخر تقول(ايفا الذهبي):
” قد كنت ذات يوم أكتب في دفتر خاص عن الأنبياء وتناقض حيواتهم ورسالاتهم وصلت ذات يوم إلى النبي موسى.. وكتبت كيف تقتل هذا وذاك من دون رأفة..؟…”
جسد الفعل الكتابي لـ (ايفا) بناء سردية هذا النص ، فالكتابة بصورة عامة هي أداة للتواصل، وصورة الكلام تستعيدها هنا في قولها : (كنت ذات يوم أكتب في دفتر خاص.. ووصلت ذات يوم) هذا فعل كلامي، أما التجسيد الكتابي فيبدأ من قولها:( وكتبت كيف تقتل هذا وذاك من دون رأفة..؟..)، فالفعل الكتابي لـ (ايفا) أخرج جملة من التساؤلات الموظفة باتجاه المقدس ونقد الفكرة الدينية لالتي تضمنها القرآن الكريم ، من دون أن تضع حداً لأسئلتها المتراكمة في نفسها، لتفتقر هذه الاسئلة إلى الإجابة، فُجعلت الاسئلة المقدمة بشكل لايوظف هالة الأحترام بإزاء المقدس.
أضيف، نجد أن المباشرة قد شكلت الحضور الأول في نسج سردية الرواية ، ليُغيب فعل التورية أمام هذه السردية المباشرة من (ايفا).
وأجد أن أسباباً عدّة قد وقفت بإزاء مثل هذا الخرق المعلن للمحرم، فصياغة المتن السردي وتوظيف كتابته باتجاه خرق الممنوعات ، ماهو إلا تجسيدٌ معلنٌ لوعي كاتبها، النابع من ايمان حقيقي بفكرة مايكتب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق