الثقافةرواية

داود سلمان الشويلي ( العراق)

الرواية والمرض

الرواية والوباء
“قراءة أولية”
داود سلمان الشويلي
تناولت الرواية، حالها حال الفنون الأدبية الأخرى، انتشار الأوبئة والأمراض، ان كان هذا الانتشار على مستوى بلد واحد، أو ضمن منطقة، أو في العالم أجمع. وقد كان لهذا التناول تاريخا طويلا. وبين أيدينا روايات كثيرة ابتداء من رواية “الديكامرون”، وليس انتهاء برواية “أولاد اليهودية”، مرورا برواية”حب في زمن الكوليرا”، ورواية “الطاعون”، ورواية “حكاية الدهان”، حسب اطلاعي البسيط على الروايات التي تناولت في أحداثها وأثرت فيها الأوبئة.
***
في روايته “أولاد اليهودية” (1)، يتحدث الروائي تحسين كرمياني عن وباء في دوره لإجتياح المدينة: ((كل فترة تبرز معالم أو بوادر داء يشغل الناس، يحير أطباء العالم الثالث، العالم النائم، يحصد أرواح كثيرة قبل اكتشاف مضاداته الحيوية.
تنامت شائعت في البلده، قيل اشاعة مستوردة، نثرها رجل غريب، تقول تلك الشائعة:
– عصابات مافية تصنع جرائيم فتاكة، تنشرها عبر وسائلهم الشيطانية، في بلدان الغنية بالنفط، مع الرياح، داخل الأغذية المعلبة، مع الأمطار، كي تبيع مضادات لها، مهيأة تم صناعتها سلفا.)). ص 168 – 169
فيما يجد الطبيب في الرواية ذاتها علاجا لهذا الوباء، فيقول: ((يا عالم، تتكلمون عن أوهام، ما الذي يجري في بلدتنا، لا جراثيم ولا هم يحزنون، أدعوكم لغلي الماء قبل استعماله، هذه فكرة قديمة، ناجحة لقتل مكروبات المياه، أشتروا الخضر، الفواكه، اغسلوها جيدا بقليل من مساحيق (التايت)، عيشوا كما كنتم تعيشون، احذروا ضعاف النفوس، قد يلجأ بعضهم لاستغلال الموقف، ويتاجر بأرواحكم)). ص189.
هذه مقدمة قصيرة للدخول في صلب موضوع دراستنا.
***
واذا كان كرمياني قد قدم في روايته سببا واحدا لحدوث الوباء إعتماذا على نظرية المؤامرة في حدوثه، فإن بوكاشيو، والبير كامو، وبوفالينو، وماركيز، قد قدموا شخصيات رواياتهم وهي في تنازع ذلك الوباء.
وكانت هذه الروايات قد تناولت وباء واحدا هو الطاعون، فأن ذلك قد جاء بسبب ان هذا الوباء هو المعروف في العالم والذي لم يوجد له دواء مثل كورونا، والسارز، اذ انه لم يكتشف له دواء لحد الآن.
***
تناولت أول رواية منشورة “الديكامرون” (2) لبوكاشيو، الوباء الذي ضرب ايطاليا في عام 1348، وكأنه يصف وباء الكورونا الذي يطال العالم ليصبح جائحة قد أصابته. ان ما جاء في الرواية هو وصف كأنه يقع في أيامنا هذه في زمن الكورونا.
والديكاميرون، معناها باليونانية: ديكا (عشرة)، وهيميرا (يوم)، أي “الأيام العشرة”، التي مرت على ايطاليا في فترة جائحة الطاعون. ان الكاتب يضع لجائحة الطاعون في ايطاليا سبب ميتافيزيقي، وقد جاءت عن طريق كائنات سماوية، بعد غضب الرب من البشر بسبب أعمالهم الجائرة. ص40. وقد اتخذت تدابير وقائية منها:
– تنظيف المدينة، كما يحدث الآن في زمن الكورونا (ضد فيروس كوفيد 19).
– منع دخول أي مريض الى المدينة، مثلما يحدث الآن في دول العالم بتوقف وسائل النقل من العمل (طائرات، بواخر، سيارات)، ويمنع كذلك التجول والانتقال بين المدن وداخلها.
– تقديم نصائح كما في وباء كورونا الآن، نصائح طبية ودينية واجتماعية. س40.
وقد وضع الكاتب مجموعة من الاعراض التي من خلالها يتم التعرف على المرض، كما يحدث الآن مع كورونا. وكما حدث مع جائحة الطاعون، فان وباء كورونا لم يكتشف أي دواء له، وانما يكون دواؤه الوقاية منه، والابتعاد عن التجمهر، والبقاء في البيت، (راجع ص41- 42). وقد وصف الكاتب طريقة دفن الميت بسبب هذا الوباء مثلما يحدث الآن في زمن الكورونا. (راجع: ص43-44)
***
مثلما كتب بوكاشيو روايته “الديكاميرون” عن وباء الطاعون، فقد كتب جيزوالدو بوفالينو روايته ( حكاية الدهان ـ حوليات الأحتضار)(3). هذه الرواية تحكي عن وباء الطاعون الذي ضرب أيطاليا في القرن السابع عشر وكيف كان المشعوذون الذين تلبستهم الأرواح الشريرة يطلون الأبواب بالدهن الأصفر لنشر الطاعون الذي حصد أرواح الآلاف.
ينجو البطل من الموت فيعود للحياة محمّلا بالعديد من التساؤلات. “يقول: رغم نجاتي فقد بت أكثر بأساً وتعاسة، أشبه بزجاج اتخذ عنكبوت فوقه عشا، أو كزجاج سيارة سقطت فوقه حصوة فتشقق، كنت كرجل ثري يمتلك مالاً مسروقاً أو عملة سيئة الجودة لا يقبل الناس التعامل بها. كنت سأهبط بحالي هذا بين الناس، وقد صرت نصف شاب ونصف عجوز!
تنتظرني حياة عارية، حساب صفري من الأيام, بلا جمرة أو صخرة. قد حان دوري لأخرج من سم خياط النفس، وأغدو إنساناً كآخرين مثلي في الطريق يدبرون بحكمتهم البشرية ثروتهم الضئيلة من الأنفاس والسنين”.
***
وفي رواية “الطاعون”(4) للكاتب البير كامو، التي صدرت عام 1947 ، حيث يتناول فيها وباء الطاعون بمدينة وهران الجزائرية. وقد حازت على جائزة نوبل في الأدب. تروي قصة عاملين في المجال الطبي يتآزرون في عملهم زمن الطاعون. هذه الرواية تطرح مجموعة من الأسئلة حول ماهية القدر، والوضعية الإنسانية..تغطي شخصيات القصة طبقات اجتماعية مختلفة من الطبيب إلى المطلوب لدى العدالة، ويصف وقع الوباء على الطبقة الشعبية.
تبدأ الرواية بهجوم الفئران على البيوت ص16، حيث يصيب المدينة الوباء ص186. وفي النهاية يقول: ((والواقع ان ريو، إذ كان يستمع الى صيحات الفرح والجذل التي كانت تتصاعد من المدينة، كان يتذكر ان هذا الجذل كان دائما مهددا. ذلك انه كان يعرف ما كان هذا الجمهور الفَرِح بجهله، وان بامكام المرء ان يقرأ في الكتب ان قُصيمة الطاعون لا تموت ولاتختفي قط، وانها تستطيع ان تظل عشرات السنوات نائمة في الآثاث والملابس، وانها تترقب بصبر في الغرف والأقبية والمحافظ والمناديل والاوراق التي لا حاجة لها، وان يوما قد يأتي يوقظ في الطاعون جرذانه، مصيبة للناس وتعليما لهم ، ويرسلها تموت في مدينة سعيدة.)) ص302
***
في أزمة كورونا ظهرت في العالم ثلاث بواخر للركاب، أحدهما أمريكية، والأخرى مصرية، والثالثة يابانية، وفيها ركاب يشك بإنهم يحملون فايروس كورونا. وفي رواية “حب في زمن الكوليرا” (5) لماركيز هناك سفينة نهرية يجتاحها وباء الكوليرا، وهو خدعة يلتجيء لها الحبيب المسن لكي يظل وحبيبته المسنة في السفينة وهي تدور بهما، فيسأل القبطان الحبيب المسن قائلا:
– والى متى تظن بأننا سنستطيع الاستمرار في هذا الذهاب والاياب الملعون؟
كان الجواب جاهزا لدى فلورينتينواريثا منذ ثلاث وخمسين سنة وستة شهور وأحد عشر يوما بلياليها. فقال:
– مدى الحياة. ص306 – 307
***
ان جميع الروايات التي ذكرناها في هذه الدراسة وغيرها التي لم نذكرها لعدم إطلاعي عليها، قد ذكرت وباء مرض الكوليرا التي أجتاح البلدان أو العالم في فترات كثيرة، ةمتعددة. أما وباء كورونا الجديد فنحن بإنتظار من يطرحه في روايات ستكتب عنه مستقبلا.
هناك رواية إطلعت عليها وهي رواية “الجحيم” (6) لدان براون قد لمّحت لوباء انتشر في افريقيا وهو وباء ايبولا. ص49
الهوامش:
1 – أولاد اليهودية – تحسين كرمياني- – دار تموز – 2011.
2 – الديكامرون- جيوفاني بوكاشيو – تر:صالح علماني – دار المدى – 2006 .
3- حكاية الدهان ـ حوليات الأحتضار- جيزوالدو بوفالينو- تر:د.ناصر إسماعيل – 2012.- هيئة أبو ظبي للسياحة والتراث.
4 – الطاعون- البير كامو – تر:د. سهيل ادريس – دار الآداب – 1981 .
5 – حب في زمن الكوليرا- لماركيز – تر:صالح علماني – دار دانية – 1991 .
6 – الجحيم – لدان براون – تر: زينة ادريس – الدار العربية للعلوم ناشرون –2013 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق