شعر فصحى

فهمى الصالح

إِلَيْكِ طَبْعَاً دُونَ اِلْتِبَاسٍ : سَأًنْكَسِرُ مَرَّةً أُخْرَى

فهمي الصالح *

حِينَ يَسْتَبِدُّ الْغُبَارُ مُسْتَوِيَاً بِاِنْدِفَاعِ عَمُودِ ذَهَبٍ
فِي الْعَوَاصِفِ الْوَاقِفَةِ بِاِمْتِدَادِ الْمُخَيِّلاَتِ
تَتَبَرْقَعُ الْأَحْلاَمُ طَرِيَّةً فِي عَتْمَةِ صُّنْدُوقِ الْأَسْرَارِ
وَتَخْتَنِقُ أُغْنِيَةٌ الْقَلْبِ وَالْأَيَّامِ كَضَرِيحٍ يَابِسٍ
وَيَظَلُّ الطِّينُ خَاشِعَاً بِانْتِظَارِ مَعْزُوفَةِ الْمَطَرِ
بَيْنَمَا الْأَيَّامُ لا تَبْدُوَ فِي مَلاَمِحِ الْوُجُوهِ
إِلَّاَ كَالْأَسَاوِرِ الْمُتَدَاعِيَةِ عَلَى حَجَرٍ.!
******
أَعْرِفُ بِأَنَّكِ كُنْتِ تَجْهَشِينَ كَسَمَكَةٍ بِكُلِّ الْمَاءِ
فلَمْ تَكُنِ الْاِغْفَاءَاتُ لِتَجْرُؤَ عَلَى أَخْذِكِ مِنْ زِمَامِكِ
الَّذِي يَسْتَقْوِي بِالْحُزْنِ الْخَاشِعِ فِي مَعْقِلِ الْيَقْظَةِ.
كُنْتُ أَسْمَعُ صَوتَكِ يَجِيشُ فِي الْعِبَارَاتِ مَاحِقَاً تَرَاخِي الْأَلَمِ الْحُرِّ.
الْأَلَمِ الَّذِي يَشْرَبُنَا فِي الْحَيَاةِ وَنُقَدِّسَهُ فِي الْقَصِيدَةِ الْمُكَبَّلَةِ.!
لَيْسَ كَمِثْلِنَا مَنْ يَمْنَحُ الْغُرَابَ صَوْتَهُ حِينَ نَعِيقٌ مُفْجِعٌ يَشْرَئِبُّ
بَلْ نَحْنُ أَصْدِقَاءُ الْيَمَامِ حِينَ تَجِيءُ الْعَاصِفَةُ لِنَغْدُوَ رِكَابَهَا
وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَنْ نَكُونَ بَرِيئِينَ بِمَا يَكْفِي لِكَيْ نَقُولَ لِلْجَّنَةِ الْبَعِيدَةِ :
اِنْفَتِحِي أَمَامَنَا دُونَ أَسْئِلَةٍ – دُونَ عَذَابَاتٍ – دُونَ تَحْقِيقَاتٍ.!
فَنَحْنُ تَرَكْنَا اِجَابَاتِنَا تَتَكَلَمُ هُنَاكَ بِلا اِسْتِطَالاَتٍ أُخْرَى وَلاَ غُمُوْضٍ.
وُجُوهُنَا لَنْ تَدْخُلَ فِي الْمُلاَبَسَاتِ وَسَتَظَلُّ وَاضِحَةً فِي كُلِّ سُعْلَةٍ
من تَقَاوِيمِ الْاِنْزِعَاجِ الَّذِي يَرْتَقِينَنَا فِي الْمُخَيِّلَةِ.
وَأَنْتِ أَيَّتُهَا (الْوَشِيكَةُ) عَلَى كُلِّ بِدَايَةٍ تَسْتَنْزِفُ وَهْجَ بُلُوغِهَا:
لا تتَأَلَمِي مِنْ خُصْلَةِ الْأَحْرَاشِ حِينَ تُطْبِقُ عَلَيْكِ بِاِنْغِلاَقَ الْمَدَى
فَلَنْ تَأْخُذَكِ غَيْمَةُ إِلى ضَيَاعٍ مَا يَتَسَرْبَلُ فِي النِّسْيَانِ مِنْ أَسَفٍ
لِأَنَّكِ أَنْتِ الْفَسِيحُ الَّذِي يَسْتَدْرِكُ زَمَنَ الدَّمْعَةِ وَالْوَرْدَةِ بِعُمْرِ الْخَلاَيَا
لِكَيْ تَمْضِي الْأَرْوَاحُ الْمُتَخَصِّرَةُ فِي غُيُوِمِهَا طَلِيقَةً إِلى الْحُقُولِ
وَلاَ بُدَّ لِلْقَمْحِ أَنْ يَتَجَلَّى بِالذَّهَبِ قَرِيبَاً مَنْ خُبْزِكِ وَرائِحَةِ بَسْكَوِيتِكِ.!
جَهْشُكِ كَانَ اِرْتِطَامَ سَعَادَةٍ أَنِيقَةٍ فِي تَلَأْلُؤِهَا وَمَطَرِ غَيْبُوبَتِهَا.
جْهْشُكِ كَانَ الْمِدَادَ الْمُرَّ حِينَ تَشُحُّ الْمَحْبَرَةُ فِي رَيْعَانِ الْقَصِيدَةِ.
وَأَنَا أَمَامَ كُلِّ هَذَا الْاِرْتِبَاكِ الْمُنْحَنِي آثَرْتُ أَنْ أُدَوِنَ مُوسِيقَايَ
لَيْسَ لِشَطْبِ بِلُوزَةِ الْحُزْنِ الَّتِي تَضْمَحِلُّ في أَكْمَامِهَا الْحُرُوفُ
بَلْ لِكَيْ تُوَاصِلِي حِيَاكَةَ حُزْنِ الْقَصِيدَةِ بِاِمْتِنَانٍ مُلَبَّدٍ بِنَارِ وَشْيِ
يَتَضَاعَفُ مَعَ الْأَصَابِعِ في قَرْعِ جَرَسِ الْبِدَايَةِ بِهَسِيسِ الدَّمِ
مُلْفِتَاً اِنْتِبَاهَ الْحَوَاسِّ بِأَنَّكِ وَلَيْسَ سِوَاكِ فِي الظُّلْمَةِ الْمُضِيئَةِ
مَنْ يَمْشِي مُتَخَطِّيَاً بُرُوقَ الْأَوْسِمَةِ وَعَابِرَاً جَذْرَ الدَّمْعِ نَحْوَ الْمَاءِ.!
******
لِوَجْهِكِ الْبَرِيءِ الَّذِي يَشِي بِخَاصِرَةِ السُّؤَالِ عَنِ التَّقَاسِيمِ الْغَرِيبَةِ
الَّتِي صَارَتْ هَزِيعَاَ فِي قَصَائِدِ الْعُمْرِ كَيْ يُرَمِّمَ الشِّعْرُ ظِلَّهُ الْأَحْدَبَ
فِي شُكُوكِ الْمَخَارِزِ وَالتَّطَارِيزِ وَيَأْخُذَ فُسْحَةَ آخِرِ نَيْزَكٍ حَانِقٍ
يَكْتُبُ عَنْ رُوحِكِ الَّتِي تَنَامُ فِي عَتْمَةِ شَذَرَاتِ الْتُّرَابِ.!
لِوَجْهِكِ الْأْزْرَقِ فَقَطْ وَأَنْتِ تَكْتُبِينَ أَصَابِعَ سَجَّادَةِ الْمَاءِ الثَّرِيِّ
حِينَ أَقْرَؤُهَا بِيَدٍ ثَالِثَةٍ وَأَتَنَاوَلُ مِقَصَّ قَمِيصِيَ لِأُنْبِتَهُ كَزَرْعَةٍ
بَيْنَ الْمَسَامَّاتِ وَخُطُوطِ الْاِقْتِرَابِ مُسْتَعِيرَاً حُلُمَكِ الْفَوضَوِيِّ
لِيَمْنَحَنِي نَدَمَاً مُخَبَّأً فِي قَوَارِيرَ وَشُعَاعَاً زُلاَلاً في مُرَبَّعَاتِ الدَّوَائِرِ
الَّتِي تَرْمِي إِلى صُنْدُوقِكِ الْأسْوَدِ بِفِكْرَةِ اِحْتِبَاسِ الْبَيَاضِ النَّادِرِ
مُغَمَّسَاً بِعِطْرِ قَدِيمٍ لِأَرَى وَجْهَكِ لَحْظَتَهَا يَبْرُقُ كَدُعَاءِ غَبَشِيٍّ
فِي دَهَالِيزِ الْأُغْنِيَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ حِيَالَ فِكْرَةٍ رُخَامِيَّةِ تَنْحَنِي بِهُدُوءٍ
أَمَامَ مَخْمَلِ الْوَرْدَةِ الطَّرِيَّةِ.!
يَا لَصَوتِكِ الْمُتَّقِدِ بِالْلَّهْفَةِ حِينَ يَتَعَثَّرُ فِي اِنْغِمَارِ الْهَمْزَّةِ الْمُتَّكِئَةِ
بِاِسْتِطَالَةِ دَمِكِ الَّذِي يَشِعُّ بِالْحَرَائِقْ فِي تَرْتِيلِكِ لِلْقَصَائِدِ الْبَشَرِيَّةِ
مِثْلَ وَجْهَكِ الْلاَّمِعِ حِينَ يَتَجَمَّعَ عِنْدَ حَشَاشَةِ نَارٍ تَغُصُّ بِالْاِسْتِدْلاَلِ
عَلَى رَغْبَةِ الْإِجَابَةِ الْمُحْتَضِرَةِ حِينَ لا سُؤَالٌ يَحْضُرُ فِي الرُّؤْيَا.!
إِلَيْكِ طَبْعَاً دُونَ اِلْتِبَاسٍ فِي الْقَصِيدَةِ .. سَأًنْكَسِرُ مَرَّةً أُخْرَى.!
………………………………………………….
* شاعر عراقي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق