تأويل إطلالتها
فتحي قمري/ تونس
————————————-
كلّ صباح يقف أسفل النافذة
يخفي ظلّه بين الأشجار
ويدرّب عينيه على الكتمان.
كذا يبدأ يومه بالانتظار:
هبوبها وهي تضيء الشرفة بأنفاسها
غنج الأصابع،
ترنيمة اللحن الدافئ.
ويراها في مكمنه كأنّها ظلّ السّماء
أو رقصة طائر يخطّ توقيعه في السّماء .
على أطراف أصابعه متوتّرا كهيأة ظلّه
وأحيانا كمن يقف على النّصال
يعضّ على شفتيه كلّما نظرت نحو السّماء.
وكمن يقضم الصّباح ليملأ عينيه بنظرتها،
ينسج للصّباح هودجا.
ويغرّد لأجل فستانها القصير
لكنّ عينيه لا تذهبان أبعد من زهوره.
آخر مرّة رآها كوكبا تريده الغيوم
وفي كلّ يوم حاول تأويل إطلالتها
عاقبته السّماء وأمطرت
فاختفت خلف زجاج شرفتها
وغادر ظلّه مذبوحا
كتلك البحّة في صوتها عندما تغمض شرفتها.
بنت الجيران عند النافذة وحيدة.
كأيّ شجرة تصافح صباحها
وتحلم غالبا بشاطئ سرياليّ أو غابة بعيدة
وربّما شقّة صغيرة بلا حديقة.
تتخيّل أركان البيت
والغرفة العلويّة بأثاثها الكئيب
وأرضيتها الملطّخة ألوانا وفُرَشا ومشاريع صور.
تتمشّى أفكارها بين الكتب والقوارير و أواني الزّينة
تجمع أوراقه وقمصانه المبعثرة.
تفتح نوافذ البيت الكئيب
ثمّ تسرع إلى الشرفة لانتظاره.
البنت عند النافذة تحلم
ككلّ الصّبايا تضمّ يديها إلى صدرها
وتشعر أنّ عظامها تنهار حين تنطق اسمه
أو تراه في خيالها يطلق أصابعه في شعرها
إغماضة جفنيها لا تختلف كثيرا عن عضّة الرّضيع
واهتزاز ثوبها قلب آخر يخفق
ولا يُسمع له أنين.
بنت الجيران
والطفل الذي كان قلبه صلصالا
حكاية صباح ليس بريئا تماما.
هي
لا وقت لديها لتشعر أنّ آهته قريبة
وتقرأ الشّوق الذي كان يطفو في عينيه
هي
مازالت تحلم بمدرّس الألوان.
ومازالت شرفتها تضجّ بالبحّة في صوتها
تماما كأشجار بالقرب
تحضن ظلّا تذبحه آهتها
كلّما حاول تأويل إطلالتها.