( قِفـــــا نَبْكِ )
سَلي الروحَ
مُذْ ريحٌ
على صحْو أُفْقِها تَهُبُّ
ومُذْ ضاعَتْ عليها كغيمةِ
عن الجَدْبِ حظٌّ
صارَ يَنْداحُ
في مدى متاهاتِها
والدَّرْبُ يُفْضي لعَتْمةِ
سَلي الروحَ
لا خلٌّ يواسي عذابَها
ولا لاحَ ضوءٌ
في سماها لنَجْمةِ
سُدىً في جهاتِ الوجْدِ
تاهتْ وحيدةً
سُدىً كَمْ تُناجي الوصلَ
في ليلِ وِحْشَتي
وتَسْألُ
هل تلْقاكِ يومًا بدْربِها؟
فما أجْملَ اللُّقْيا بدربٍ
كصُدْفةِ
كأنِّي تركْتُ الروحَ
تمضي فراشةً
تُفتِّشُ هذي الأرضَ
عن حِضْنِ ورْدةِ
فلا تَتْرُكيني
للمفازاتِ أنْتَمي
ورمْلُ غيابٍ
يرْتوي من حقيقتي
ولا تَتْرُكيني
كالمجاذيبِ شاطِحًا
أُطارِدُ وهْمًا
في تآويلِ لُجَّتي
بصمتِ سرابِ الوقتِ
كالناي مُوغِلاً
ولي رغْبةُ الظمآنِ
في حُزْنِ بُحَّتي
فللغيبِ أمضي
دونَ وحيٍ يَدُلُّني
ألفْتُ انْكِساراتي
وتيهي
وعُزْلتي
تُصوِّفُني الصحراءُ
وحدي بريبِها
أُشكِّلُ من طينِ المجازاتِ
جرَّتي
غريبًا إلى عينيكِ
كَمْ ظِلْتُ راحِلاً
وبي ولهٌ
ما زالَ يُرْبِكُ خُطْوتي
وأُلقي بنرْدي
للمجاهيلِ حائِرًا
لعلِّي أُصيبُ الحُلْمَ
في غيِّ وجْهتي
وأتْلو
على رُعْبِ المسافاتِ آيةً
ومن كرْمةِ الأحْزانِ
أرْشِفُ خمْرتي
“قِفا نَبْكِ”
أيَّامًا رمتْنا بغُرْبةٍ
وأَلْقتْ بروحي
بينَ شكٍّ وحَيْرةِ
فإنْ قُلْتُ أنْسى كُلَّ شيءٍ
تَشُدُّني
إلى أمْسِنا الذكرى
وتُحْيي صبابتي
كأنَّا خُلِقْنا للأسى
وكأنَّنا خُلِقْنا
لهذا المُشْتهى والتَّشتُّتِ
فمِلءَ فضاءِ البُعْدِ
أبْدو ككوكبٍ
يدورُ حنينًا في الدُّجى
يا مجرتي
بأرْصِفةِ الأشواقِ
قَدْ عِشْتُ عازِفًا
فِراشي الجوى والصَّبْرُ
زادي كمنْجتي
أجلْ ذي حياتي
رهْنَ عينيكِ لَمْ تزلْ
وما زلتِ حتَّى الآنَ
ناري وجنَّتي
ناصر الغساني
سلطنة عُمان