الثقافةرواية

سماح بني داود

تونس

“وجع الرجال ” لبلال الونيس
رواية السرد الباكي
انطباعية بقلم الكاتبة التونسية سماح بني داود

لا شك أن القارىء لرواية وجع الرجال الصادرة عن دار خيال بالجزائر سيقف عند العنوان الذي كان بمثابة بطاقة تعريف لمحتواها الأليم وله أن يتساءل؛
هل للرجال وجع؟ وكيف يعبر الرجل عن وجعه وهو الذي عرف بصلابته و قوته؟ وكيف تكون الرواية سبيلا ووسيلة؟
لو تأملنا تسمية هذا الجنس الأدبي “الرواية” لوجدنا أنها مشتقة من ري، بمعنى نقل الماء من موضع الى آخر لإشباع الظمأ ولعل ذلك ما جعل الرواية عند بلال لونيس وسيلة يكشف بها عن أوجاع لم يتحملها فكان الإهداء الى الأموات بدل الأحياء وكأن بهم قارئين لما يكتب وفي ذلك مخاطبة ضمنية لشخصيات غابت عن أنظاره” فأنا لا أهدي أعمالي سوى للأموات” فحول معنى الري من نقل الماء الى نقل أحاسيس فاضت بها روحه الى كلمات سردها فأحسن تغليفها بوصف مزج فيه الحقيقة بالخيال ليترجم صعوبات ومشاكل ذات علاقة بقضايا اجتماعية يعانيها الرجل الجزائري والعربي عامة عن طريق شخصيات مختلفة الاعمار والانتماءات ” ريم، زياد، الكسندور، عبد الله، عبير، اياد…”
استهلت الرواية برسالة كتبها لامرأة سماها “وجعي” فكانت رسالة بركانية فيها من الهزات ما يجعل القارئ في انسجام تام مع الكاتب ليشاركه الذكرى والبكاء والحنين والألم،وقد استمعل معجم طويل من الألفاظ الباكية ك “وحيد، تربص الأقدار، قتل الأحلام، ضياع، تيه، فراق، صراع، حرمان، بعد….”
“اتدرين الآن يا وجعي بعدما نسفت أحلامنا وانطفأت النجوم في سماء أيامنا أن الحب ما عاد يعني شيئا”
نفس سردي حزين طرح من خلاله الكاتب عدة قضايا أولها
الخيانة
“الآن أخلفت الوعد! هنيئا لك الخيانة ”
قضايا اجتماعية تخص الاسرة جسدها انطلاقا من شخصية زياد الذي عاش طفولة أليمة قاسية فيها فراغ وخواء وجفاف عاطفي بغياب والده واهماله الذي سبب انعدام في التوازن داخل العائلة وجر الى طلاق وانفصال،
ليتحول بنا الكاتب مع الشخصية نفسها الى قضية التجارة الممنوعة والتي وجد زياد نفسه داخل اطارها دون ارادة منه،
ثم قضية التجارة بالأعضاء التي راح ضحيتها أناس كثر، ليتطرق بعدها الى مسألة أهم وهي انعدام ثقافة الإصغاء في مجتمعاتنا من خلال رفض عبد الله للاستماع لصديقه “لن أسمعك”.
كان للوطنية حضور بالرواية أوجاع الرجال حيث رجع بنا الكاتب الى زمن الثورة الجزائرية والذكريات المجسدة في بيوت المجاهدين الأحرار الذين تصدوا للاستعمار مع التأكيد على المحافظة على المكاسب الدينية و البناءات الأثرية من مساجد وزوايا المتوجة بالزخرفات الإسلامية القديمة، مع التعريف بالعادات والتقاليد بذكر أطباق جزائرية تقليدية مثل الكسكسي و كسرة القمح و الشخشوخة والمسمن.
أنهيت الرواية وقد علقت بذهني جملة بحجم رواية
“أشتهيك في الآخرة حياة”
هكذا حضرت بذهن الكاتب حبيبته وإن فارقته، فالفراق لا يعني نهاية الحب.
س/ب/د

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق