شعر فصحى
سلام حلوم
” شيخ الحفّارين على الخشب ”
الوحيد الذي لم ينزح
وما فكّر ولو مرّة أن يتزحزح
قيد نقشة عن مسقط قلبه
وكلّما كانت تقلّ الضّيعة
يضيق مثواه حتّى صار في الآخر
هنا ، تحت هذا السقف المائل لمطلع الدرج
وينتهز غياب الطيّارة بين قصفَين
ليفتّش في الأنقاض عن إزميل أسبانيّ
كانت أهدته إيّاه معجبةٌ في معرضه الأخير
عن تلاقح عروق الخشب في مدريد
” ولماذا أرحل ؟؟
فلم يبقَ شيءٌ لأحزن عليه
وصار الخشب شواهد للقبور
يكتب الناس على التالف منه
وبرائب الكلس
أسماءَ موتاهم
وهرَّ عن خزائنَ مخلعةٍ وعن أبواب منتفخة كالجثث توقيعي
أنا ملك الحفّارين على الخشب ”
تغيب الشمس
فيكتف على بطن ضامرة ساعدَيه
وتجمد الأصابع في يديه اللتين كانتا
على مرّ المجاعات مبسوطتين
مثلما للجيران ، للطير
تطلعُ لا يعرف من أين ؟
فيفكّ عن عينيه خيطان الرّمد اليابس
ولا يلتفت ، إذ طالما لن يلقيَ تحية الصباح
سوى على هرَة تنام بين ساقيه
ومع أنّه يعرف
بأنّه لم يبق فيه حتى الرائحة
يفتح من جديد كيس التبغ
ويشتِم بصمت زمنا فاجأ رئتيه بهذا السعال الجاف
كمن تنشّق غبرة قبره
هو لم يقل لأحد عن وصيته في الدفن
ولكن رشقة بارود حارق نفذتها
رمادا في صرة ملقاة على مهل تحت تينة
كان قد نقش على جذعها أوّل حرفين من اسمه ؛ نون بلا نقطة
وحاء تلوي ذيلها حول الجذع
حتى يلامس محفرحبل أرجوحته .