أنا ساعي البريد
بعالي الحزن
أبعث إليكم آخر مكاتيبي ،
وربّما أوّلها
وبعالي الحزن ،
أقدِّر دهشتها ،
هذي الجِمال
التي برَا سنامها خرج ُ البريد ِ
تنيخ الآن تحت إطار ٍ في لوحة ٍ
على جدار ِ متحف .
وبعالي الحزن ،
أقدِّر الصمت المطبق َ في حنجرته
هذا الحمام
فقد ظل َّ يزجل ُ حتى داخ ،
كيما يُعدَّ بحّة ً نادرة ً في مقام الهديل
وكي لا يُتّهم بالخرف جنس الطير ،
أسلم للقباب أطواقه وخلاخيله ، وبعضا ً من زغب الجناح
وحلَّق ، حتى لم يعد بالعين المجردة يُرى
هو الآن يقبع في الكتاب المدرسي ّ كتاريخ ٍ مُصبّر ٍ
وبعالي الحزن
أقدِّر أن يهرَّ ، عندما أربّت على كتفيه
هذا الصندوق ُ
فقد أكلته الوحشةُ
ونخرت أوصاله أعشاش الدبابير
وبعالي الحزن
أقدِّر شحوبه في العزلة البادية على ملامحه المصقولة ،
فهذا الظَرف
تحمَّل أن يكون رضابُه من صمغ ٍ
أن يُقلب على قفاه ، أن ينتهك حرمَته قطّاعُ الكلام …
أن يُمزَّق ثوبُه الوحيد وهو يعاندُ في الدخول بينَ العتبةِ وبابها
تحمَّل غرور الطَّابع ِ
هم َّ الحفاظ على السّر
جحود َ المرسَل إليهم
رعونة َ المشتاق
الزّيَّ الواحد َ ،
السياج َ بلونين
هو الآن يقبع في عنبر المطابع
لا أكثر من كيس ٍ نافل .
أنا ساعي البريد
تباهيت ُ قدَّام جدي بترتيب الحارات أبجديا ً ،
بقراءة كل ِّ الخطوط حتى خربشات الدجاج ،
بحفظ المدينة عن ظهر قلب
حبّي الأوّلُ كان بالمراسلة وعمرَها لم تبت في حقيبتي رسالة ،
وما تكاسلت ولو كان العنوان في آخر ما عمَّر الناس …
وأنا الآن
أقطع باقي وظيفتي حارسا ً على خزانة ٍ لطوابع التذكار
أنا ساعي البريد
أقدِّر بعالي الحزن
ضجر أسمائكم وهي تفرك حرفا ً بحرف ٍ
في مكالمات ٍ
لم يردّ عليها .
من (يسمّونه عندنا )