حياة الرايس
مازال الأدب يصنع الفرح و الوفاء و القيم في بلدي
كان حفلا \ كان حلما \ كان عرسا لافراح الكتاب و كانت سهرة ثقافية ، شعريّة ، موسيقية مميّزّة لتوقيع ديوان شعر الاديب الراحل محمد شعبان :” قصائد على ضفاف آمال ضائعة ” ما زال الكتاب يصنع الفرح في بلدي رغم كلّ شيء .
في الحقيقة كان الاحتفاء يحمل طابعا خاصّا، مؤثرا وحدثا نبيلا لا يمكن الا ان نقدره و نحترمه و نقف اجلالا له. فالاصدار هو امانة اضطلعت بها عائلة المرحوم محمد شعبان و على راسها الاستاذ فيصل شعبان الابن البار و الاعلامي الرياضي المعروف . يقول فيصل شعبان :
“كانت مهمة غير عادية و صعبة وجدانيا و اخلاقيا و كنت المؤتمن عليها بتفويض رسمي من والدتي و اخوتي فدوى وامال و هيكل و سهير و نسرين الذين يقاسمونني هذا الحلم بان ترى مؤلفات والدنا الراحل النور بعد كلّ هذه السنوات بعد ان حالت ظروف الحياة في نشرها في حياته … كانت امانة جسيمة في عنقنا جميعا لكنني فخور انا و اخوتي باننا بذلنا لنشرها ما يلزم من جهد و طاقة و امكانيات دون تردد … علّنا ننصف تعب و مجهود اكثر من 50 سنة قضاها والدي مثابرا لكتابة مؤلفاته الادبية و التاريخية ”
اظن ان هذه الفقرة التي جاءت في مقدمة الكتاب قد لخصّت كل شيئ : قيمة الوفاء ونبل الرسالة التي اضطلعت بها العائلة و قيمة الوصيّة الادبية و التاريخية بما تحمله من اضافة للمكتبة العربية…و قبل كلّ ذلك تضحية الوالد الاديب بنشركتبه في حياته مقدما مسؤولياته العائلية على مشروعه الادبي هو الاب الفاضل ومربي الاجيال و مدير المعاهد و المناضل في صفوف الحركة الوطنية لمقاومة الاستعمالر الفرنسي . كانت كل تلك الظروف اولويات مقدسة لكنها لم تنسه حلمه الادبي الذي كان يشتغل عليه طوال حياته تشهد على ذلك المخطوطات التي تركها: من قصائد مجمعة في ديوان خاص بخط يده و مؤلفاته التاريخية عن تاريخ بلده دار شعبان الفهري و مدينة بنابل من البلاد التونسية و غيرها من اعمال سردية …و لكن المنية لم تعطه فرصة رؤية كتبه تتصدر واجهات المكتبات .
و بما ان ” اللي خلّف ما ماتش ” كما يقول المثل الشعبي فان هذه المؤلفات ستظهر و تنشر رغم كل شيء .
كان لي شرف مواكبتها في مختلف مراحل اعدادها و نشرها من خلال الصديق فيصل شعبان الذي ابهرني بوفائه و برّه بوالده و نبل رسالته و دقته في حمل الامانة وتفانيه في اتقان العمل على احسن وجه و مسؤوليته التاريخية امام عائلته و اثرائه للمكتبة العربية بهذه الاضافة .
كان يستشيرني في ادق التفاصيل عبر مكالمات هاتفية مطوّلة … عبارة عن جلسات ادبية أثيرية، يسال عن ادق التفاصيل … و كان يصلني صوته نابضا،خافقا، خائفا، قلقا، متوترا، حريصا، منفعلا تكاد تخنقه العبرة خائفا ان لا يكون الاصدار الجديد في مستوى قيمة والده الادبية و ان لا يكون في مستوى حمل الامانة. (وصيّة الوالد المتوفي منذ 9 سنوات ) اطمئنه و يزيد اكباري و تقديري له و اعتزازي بشخصه و انبهاري بلمسة الوفاء النادرة هذه التي قلما يجود الزمان بمثلها امام مشاغل الحياة و الركض اليوم وراء المصالح و المنافع الشخصية .
يستشيرني في كلّ كبيرة و صغيرة و لا يهمل ايّ شيء. مهوسا بفكرة الكمال و الاتقان لعمل يعزّ عليه بشكل خاص جدا كما لو كان عمله و اكثر.
تناقشنا في فكرة ترك القصائد بخط يده او رقنها؟ و اصرّيت ان تبقى بخط يده كأثر حيّ، حتى يصلنا نبضه معها و كنت اؤمن دائما ان الخط باليد هو امتداد لانفاس الكاتب ، من جسد الكاتب اوالشاعر الى جسد النص الى يد القارئ… يسالني عن الكلمة او الحرف المشطوب هل يتركه او يمحوه أو يصحّحه ؟ فاقول اترك كل شيئ على حاله فالنقاد يشتغلون الان على المسودات … انها خصوصيّة هذا التحقيق في المخطوط …
و اكتشفت في الصديق الاعلامي فيصل شعبان حسّا ادبيا فائقا… وفاجاني انّه يكتب الشعر ايضا هو الاعلامي الرياضي و لا عجب فهو ابن اديب بحجم محمد شعبان و للشهادة فان لغته في نقل المقابلات الرياضية مميزة جدا و لا احد يملك فصاحته ،و تمكنه من اللغة العربيّة ، السليمة و بلاغته و الخلفية الثقافية التراثية الادبية التي يحملها التي تشي بها استشهاداتها و تعليقاته الكثيرة ….
كان الحفل الذي اقيم يوم الفاتح من يونيو ( جوان ) فخما و بهيجا سهرة ثقافية بديعة في اواخر ليالي رمضان .حضره عدد كبير من الاهل و الاصحاب و العائلة الموسعة و طلبة المربي الراحل و اصحابه و زملاءه واصدقاءه و من عاصره و جايله من اهالي مدينة دار شعبان الفهري مسقط راسه و مدينة نابل و تونس عامة وعدد كبير من الصحافيين و من الشعراء و الادباء ….و كان الاعلامي الابن فيصل شعبان نجم الحفل بامتياز ومهندس الحدث الكبير و عرّيف السهرة الذي تولى تقديم كل فقراتها… التي ابتدات بتقديم الديوان من طرف الشاعر الكبير الاستاذ و المربي الفاضل لطفي عبد الواحد :علامة ادبية نحمل لها كل الاحترام و التقديرو المحبة في تونس، ابن”دار شعبان الفهري” الاصيل
و قد كان لي شرف القاء كلمة حملتها في نفسي منذ بدانا التحضير للحدث تعبيرا عن تقديري و اكباري للمسة الوفاء هذه في عصر يطغى عليه الجحود على كلّ شيء و انبهاري بمسؤولية الابن البار تجاه وصيّة و الده و تضحية الوالد من قبله بمشروع النشر من اجل مسؤولياته العائلية في زمن يهمش فيه بعض الكتاب انفسهم للتخلي عن مسؤولياتهم العائلية و حتى المهنية …
احتوى الحفل على قراءات شعرية بصوت فيصل شعبان الجهوري اختارها و قراها بتاثر بالغ حدّ اختناقه بالعبرة في كثير من الاحيان كانت متنوعة من حديث الغزل و حديث العروبة و حديث القلب و حديث التاريخ وحديث الاصلة و حديث العصر… حسب تبويب الكتاب. تخللت القراءات وصلات موسيقية طربية اثثتها الفنانه محرزية الطويل بصوتها الرخيم في اغاني طربية كان يحبها الاديب الراحل .
تحيّة لوفائك و نبل رسالتك فيصل شعبان
هنيئا لروح الاديب الراحل محمد شعبان بالولد و الادب
الرحمة لروحه التي تنام قريرة بعد صدور ديوانها الاول في انتظار بقية الكتب …
حياة الرايس
كاتبة من تونس