ذاكرة جديدة لجساس بن مرة
شعر : محمد زيدان
1
لم يكن لجساس بن مرة
أن يملأ عينيه عشبا ورملا
ولا أن يصد ذاكرة الصحراء بماء
من جنون القبيلة
كان مولعا بالمدح والذم
يحمل عز بني وائل
حين يصعدون نحو الشمس
يرى نفسه سيد الصحراء والماء
حاول أن يصد كليبا
وقد ألجمه الفخر ليصون رياح بني مرة
كان يحمل الجبال على راحتيه
ليشهد ضوء السلالة من عدم
ينتقي زهرة من هواء تغلب
ويكوم المسافات بين عينيه
2
جساس يرى
أنه سوسنة الصحراء
يستحث الرياح
أن تباعد بينه
وبين التغلبي كليبا
أن تباعد بينه
وبين الماء
وليس – كما يدعون – أن حرب البسوس
تلك التي أشعلت الصحراء أربعين سنة
كانت لأجل ناقة
دم القبيلة الذي يحرس الظلام والنور
وجمرالسواد الذي يلف المضارب
وخيمة الوقت التي يلبسها المحاربون
لم يكن لأجل ناقة
3
كان جساس يطفئ عينيه
كلما أتى الماء ، تحاشى المهانة
يهز صمت الخيول بحافر من خوف
يصيح كليب :
ليس إلا أنا ، والريح
تحرسني في السماء والأرض
دمي رحيق القبيلة
ما الناقة إلا فكرة
أسكرت صمت جساس
وأشعلت الحرب
السنون التي تعلك صمت جساس
ثمانين فصلا
من الحياة والموت
أصبحت وردة
لحرب بني مرة
4
يقول جساس :
الماء للعربي صلاة الأرض
وحنين عشبها للهواء
سحر الرمال ،وخفقة الغيب
الذي يلفنا في ثوبه اللؤلؤي
وكليب يمنعنا من صلاتنا
للماء والطين
يمنعنا من رجفة الخلق
يمنع اكتحال العين بالشمس
يحقر التغلبي بني مرة
يطفئ عين الجليلة
حين يقول لها:
هل ترين أحدا غيري
تقول : أخواي
فيضمر التغلبي صمته الموحش
وهنا يمشي جساس
يحفر اسمه العربي
فوق المسافات
ويمنح الغيب الذاكرة الجديدة
والماء الصحراء الأولى