شعر فصحى

ريتا الحكيم

أكتافُ الموتِ عاريةٌ

لأنَّ أكتافَ الموتِ العاريةِ لا يّعوَّلُ عليها حين ينزلقُ الجَسَدُ المُكفَّنُ في عيونِ التُّراب الغائرةِ، أهديتُهُ شالَ أمِّي وعقدتُ ربطةَ عُنُقِ أبي حولَ رقبتهِ، لكنَّني تركتُ صدرَه عاريًّا ليشبهَ “تشارلز برونسون” في فيلمِهِ الشَّهيرِ “مسافرٌ تحتَ المطرِ”
هكذا يكونُ الموتُ بهيًّا، يقفزُ أمامي عاريَ الصَّدر، يشدُّني إليه، ويراقصُني على أنغامِ التَّانغو التي أحبُّ.
الموتُ رجلٌ ناعمُ الملمسِ
تفوحُ منهُ رائحةُ العُطورِ الباريسيَّةِ
الرِّجال الذين عرفتُهم لم يتقنوا اختيارَ عطورِهم
ولا حتى حبيباتِهم
لم ينجبوا أطفالاً
لم يزرعوا وردةً على صدرِ امرأةٍ
لم يكتشفوا أنوثتَها الغافيةَ
يركلونَ بها الضَّجَرَ
ويسدَّدونَ لهُ الضَّرباتِ المُوجِعَةَ
لكنَّ الموتَ الذي أحدِّثُكُم عنهُ لا يُشبِهُ أيًّا منهم
جامحٌ في شهوتهِ
لا يقبلُ لذَّةً عابرةً
ولا امرأةً عَلِقَ بجَسَدِها موتُ مِنْ نوعٍ آخَرَ
الموتُ الذي ينقرُ نافذتي كلَّ ليلةٍ
يأبى الدُّخولَ دونَ إذنٍ منِّي
يتركُ لي بطاقةَ دعوةٍ إلى مأدبةِ الأبَدِ ويولي الهربَ مِنْ شقوقيَ ومِن جُروحي
أدينُ لهُ بثلاثِ دعواتٍ، أوَّلُهُما حينَ كفَّنتُ أمِّي
وثانيهُما حينَ قَصَصْتُ جناحَيَّ
وأطلقتُهُما طيرَيْنِ في سماءِ الغربةِ
أمَّا الثَّالثة؛ فما زالتْ على إفريزِ الحياةِ
تنتظرُ قُدوميَ وحيدةً
دونَ موسيقا التَّانغو التي أحِبُّ
دونَ شالِ أمِّي
ودونَ جَناحيَّ

/ريتا الحكيم /

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق