شعر فصحى

فتحي قمري تونس

نصوص

هذا ما يحدث عادة كلّما فكّرت بالبحر :
أركن ظلّي فوق الصّخر،
تتدرّب أصابعي على الاحتماء بالموج.
أهتدي إلى أيقونة بلا سقف يوقع أطيافها
تسع ساعات الحزن والعزلة،
وتكفي لتسريح النّظر عبر مسامّها
دون خوف من لسعات الرّيح
أو هنات الأفق.
تمشّط أصابعي حبّات الرّمل بحثا عن الموج.
وأسأل حروفي
هل امتلأت بالبحر ؟
وكم موجة تكسّرت بفعل الرّيح
أو غيّر الشّتاء مسارها ؟
لكنّ الصّخور المقعدة رابضة في فمي
كما ظلّي العالق في أحضان مغلقة.

يحدث أن أسمع صوتا يخرج مثلجا كهواء الكهوف.
أو مثل فؤاد بحّار عجوز،
تجيء المفردات محمّلة بدعاء أشجار حفرت رسائلي في جذوعها
وتحاصرني وجوه قديمة حتّى أختنق بالدّمع،
تفاصيل مبهمة وقعها أنفاس جحيم،
شعور بالبرد يكاد يفجّرني،
وأطياف بيض لا شيء يشبهها،
فتشتعل عيناي نارا وينعدم الصّوت.

يحدث أن أغرز عينيّ في عتمة أتخيّل حجمها
وأحلم بالفجر
أمزّق بالخيبة وصلة البكاء سرّا
وأستعين بجهد شمس الشّتاء.
فلا قمر يتوّج غيمتي،
وما من موج كي أستعيد بشاشة الضّوء.

يحدث أن تتكسّر بين يديّ أمواج أسكرها الضّوء
فتناثرت زرقتها في الرّمل،
تهب شمس الضّحى بحرنا رونقها،
فتخضّر الأسماك وتفتعل الغرق.
تصير الغيوم العاطلة جسورا للهجرة ناحية الأبد.
ستلاحق بساتين الزّبد مراكب صيد مجهولة
وهي ترحل نحو الشّمس.
وهذه الصّخور أكفّ عذارى يهيّئن سرير القمر.

كثيرا ما اختلطت في ذهني صور ممعنة في الجنون
واعتنقت عيناي أحلاما لم تصمد طويلا
إزاء عضّات الموج الخارج توّا من أقفاصه،
أو امتصّها الرّمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق