شعر فصحى

عبد المنعم رمضان مصر

عبد المنعم رمضان

_______________باب الغيبة

يا أيها الموتُ الذي أراه كُلَّ ليلةٍ
يدقُّ باب غرفتي
وعندما أفيقُ
عندما أهبُّ مثل الخوفِ
يكتفي بأن أُحِسَّ بالترانيمِ
التي تجعله نشوانَ
أيها الموت الذي أراهُ
كلما أشهدُ في المرآةِ
بشرتي القديمةَ
المسنونةَ الحوافِّ
والبيضاءَ
بشرتي الحمقاءَ
كلما أعرف أنها سوف تجفُّ
أن عطرها سيختفي
وكلما أراقبُ الفمَ الذي
كانت تُطلُّ منه رغبةٌ عاريةٌ فحشاءُ
قبل لحظتينِ
كلما ألهث خلف ما قد يجعل العينين تبرقانِ
كلما أباغت الخلاءَ كلَّهُ
كأنه سحابتانِ في يديْ أبي
وسلّةٌ من النجوم تحت فخْذ جدتي
وبهوُ مجذوبين مأخوذينَ
بالطوافِ
حول ما لا أستطيع أنْ أمسَّهُ
يا أيها الموت الذي أراه كل ليلةٍ
وأختفي وراء جسمهِ
لأسمع النشيج والصدى
وربما إذا استطعتُ
أفتح السماء كي أعيدهُ
وربما إذا استطعت أستميله بالأغنياتِ:
«أيها الصبيُّ رغم عمرك الطويلِ
أيها النحيلُ
أيها الباسطُ رجليه على وسادتي»
لكنها الرياحُ الجوفُ
والأعشابُ
والثيرانُ
والغيلانُ
والظلامُ كلُّهُ
الظلامُ الغُفْلُ
آخر الظلامِ
أيها الموتُ الذي
لكنها الرياحُ الجوفُ
والديدانُ
سوف أشهد الديدانَ تملأُ الكهفَ الذي
تحيطني جدرانهُ
وأشهد العناكب السوداءَ
أسمع النافخ في الصُّورِ
وأسمع الكلارنيتَ والكمانَ
لا أكاد أفصل البنت التي أحببتُها
في أول الصبا
عن التي قابلتُها في الحفلِ
لا أكاد أدّعي أن السماء حقلُ حنطةٍ
وأن جسدي هو الصليبُ
أيها الموت الذي أراه كل ليلةٍ
أخافُ أنْ تكون أنتَ
حارسَ البستانِ
مثلما يُشيع عنك الربُّ
أن تكون حارس النسيانِ
مثلما يُشيع الناس في بيوتهمْ
أخاف أن أكون صيدك القادمَ
قبل أن أراك نائماً
على نوافذِ الأيامِ والأحلامِ
دون مهنةٍ
كأن صوتاً ما يرنُّ في آذانك الصمّاءِ
يصطفيكَ:
أيها الحوذيُّ
أيها الجبانُ
أيها الذي سوف يموتُ
بعد أن نموت كلُّنا
تباركتْ أسماءُ من أحببتَهم
تباركتْ أسماءُ من كرهتَهم
تبارك الوجود والعدمْ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق