الثقافةعالم القصه

عصام سعد حمودة

تلك الرائحة

كل شيء فيها يلفظ أحلامك.. تطردك شوارعها وبيوتها.. يطاردك عطن الحجرات الضيقة في سراديب المنازل.. (آآآآه يا مدينة كل شوارعك صارت تعرفني.. تعبس في وجهي وتدير وجهها عني).. طريق يدفعك لآخر، حارة تقذف بك إلى أخرى..

من إحدى قري الصعيد، قادم، كنت تشق الأرض الصلبة السمراء بفأسك وأنفاسك.. تعمل أجيراً؛ عري الأشجار، لون الزرع الشاحب هما اللذان دفعاك للرحيل لتبحث عن (لقمة العيش) بعد أن تركت للأهل جوعا يتلذذون به.. فقراً ينخر في عظامهم.. يحلمون بعودتك بالمال الكثير.. (يا قاهرتي ما جئتك إلا بعد أن سمعتهم يتحدثون.. يصرخون.. يعدون بالخير والمال الوفير). وقفت تدق الأبواب.. تدور حول الأسوار.. تستجدي الحراس.. تحلم وأنت تقف على أحد أبوابها أن ترمقك المدينة بعين امرأة عاشقة.

أكاذيب.. أكاذيب تلك التي أطلقوها ومن أجلها هجرت قريتك، وأنت لم تعتد يدك سوى حمل الفأس ورشق حده المسنون في بطن الأرض. تبحث.. تحلم.. تعزي النفس بالصبر الطويل. ولم تعد تعرف كم شمسا شرقت وكم غربت.

***

تحت عجلات القطار المخصبة بالدماء واللحم يرقد حلمك.. يوصيك وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أن تبحث عن حلم آخر جديد.

تقرقر البطن من كثرة تناول الماء وحده دون أن يمر إلى الجوف شيء.. عفن يتسلل بين جدران الأنف والكل من حولك يسير دون أن تستوقفهم تلك الرائحة كأنهم ألفوها أو أن أنوفهم أصابها العطب. تتدحرج العين بين الطرقات تبحث عن شعاع نور من خلف سحب غائمة. تصعد صندوق القمامة.. تقفز لداخله.. تزاحم الآخرين.. أمطار شديدة.. رعد.. تنطفئ السماء وتضيء.. تخرج من الصناديق المنتشرة الكثيرة.. جلبابك ممزق.. مبتل.. ملتصق بحواف جسدك.. تداري عورتك بكفيك.. تتسلل تجاه محطة القطار.. تركب أحدهم دون أن تدري وجهته.

 

الاسكندرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق