فرقعات مكتومة دوت في فضاء الحديقة الساكن شبه المظلم. طارت اذناب من اللهب الى السماء، تفتت الى خرزات ضوء حمراء صفراء زرقاء وارجوانية تزامنت وتزاملت في تشكيلات رسمت على قبة السماء الزرقاء لوحة لشجرة الكريسماس الخضراء المخروطية، وقد نقش شعرها المنفوش بالخرزات الضوئية ذات الألوان الزاهية. كما ظهرت لوحة أخرى لوجه كامل الاستدارة، صنعت فيه خرزات الضوء تشكيلا زاهيا بدا كأنه وجه “مخلوقة” مثل القمر المكتمل، كانت تتابع فناء الحديقة والرؤوس المرفوعة نحوها بعيون مدهشة لامعة الزرقة، وفم وانف دقيقين كأنهما نتفتين من ضوء حليبي مغموستان في فضاء مهيب تشكله الوان الطيف النزقة اللعوب المتباهية بوجه القمر. في بداية مطالعتي وتحديقي في السماء ابهرني منظر وجمال خرزات الضوء وهي تتراقص وتتمايل وتتشكل لوحاتها قبل ان استفيق من هدوئي المبهور على ابتسامة “وجه القمر” يطالعني باهتمام، يبتسم لي في حياء، يهمس في أذني في مناجاة. تسمرت جوارحي، انفصلت عن صاحبي جواري، وعن الحديقة وروادها، وعن الصخب الذي لازم الفرقعات والاضواء، وعن عناق المحبين ساعة اطفاء الأنوار في تلك اللحظة المدهشة من الزمن. “كأنها هي”، التقاطيع، الملامح، الحيوية والجمال وخفة الدم. تأكدت انها عادت من جديد، تهفو بقوامها الممشوق، تخطر بحركات الملكة بين وصيفاتها، تنثر الجمال والبهجة بين ولئك التواقين الى مجرد نظرة من عينيها الجميلتين. هكذا كانت في هذا المكان في العام الماضي، لكنها الآن تخطر من العلياء، متوشحة بخرزات الضوء الملونة، تسكب دفئها فوق الرؤوس التي تطالع السماء بنفحات من الطيبة والحب والبهجة وربما السعادة. انتبهت جيدا الى همسها ووجهها الحليبي الذي اعتراه مسحة طفيفة من الحزن والقلق، كأنها ارادت ان تبوح لي بسر غامض، ربما لم استطيع ان اجمله داخل خلايا رأسي التي اعتراها شلل عظيم في تلك اللحظة الفريدة. تسمرت عيناي تطالع في العلياء وفي جميع الجنبات، تراقب خلاياها وهي تتنقل بين المدعوين في الحفل بمنتهى الخفة والرشاقة والوداعة مثلما اعتادت زمان، تنثر البهجة والفرح في عالمهم البارد، القاسي، الذي خلى من الطمأنينة والحب وتمدهم بالزهور والحلوى وتدعوهم الى تناول وجبة العشاء. لم ادرك كم مضى من الوقت على هذا اللقاء الشخصي المتميز؟ ولا حتى عما اذا كان أحدهم قد شاركني اياه في لحظة لقاءها والفوز بابتسامتها الجميلة؟. كل ما ادركته ان خرزات الضوء لم يعد لها وجود في السماء، وان المدعوين قفلوا عائدين الى موائدهم وصخبهم وانفلاتهم، وان صاحبي ينقر باصرار وبقوة على كتفي ليستعيدني من شرودي المذهول. حينما التفت اليه شدني الذهول ثانية بقوة هذه المرة، لقد رأيتها، كانت تقف بجواره، “هي نفسها” بشحمها ولحمها من كانت تخاطرني من السماء منذ قليل، لكن ملامح الوجه “القمري” أصغر بنحو عشرون عاما. أجل ابنتها الجميلة التي تشبهها كثيرا في كل شيء حتى عذوبة صوتها وعيناها الجميلتان. كأنها هبطت من عليائها والبستها روحها وجسدها أيضا، جاءت تدعونا الى البوفيه المفتوح الذي اعدوه في تلك المناسبة الفريدة التي اعتادوا على اقامتها مع مطلع كل عام جديد.
يناير 2019