الثقافةشعر فصحى

محمد عكاشة

الرأس

رأسي التي ركنتُها على سطحِ المنضدةِ منذُ زمنٍ،
بدتْ ليَ وأنا مضطجعٌ على حافةِ الفراشِ
كخريطةِ العالم،
هزأتْ بيَ عندما شاهدتْني أقيسُ المسافةَ بين منبتِ الشَّعرِ والعينين،
وأخططُها بمحراثٍ تجرُّهُ بقرةٌ صفراءُ
كي أشتِلَها ببنادقَ آليةٍ معبئةٍ بالبارودِ
وأسقيَها من بئرِ نفطٍ جديد.

والرأسُ بيضةٌ كبيرةٌ
وضعتْها مجرةٌ تائهةٌ على سطحِ الأرضِ
من بعدِها،
والأرضُ تنبتْ رؤوسًا تنمو وتتكاثرُ بتساقطِ الندى كلَّ صباح.

المسافةُ من منبتِ الشَّعْرِ إلى العينين
تمامًا كالمسافةِ من العينين لأسفلِ الأنفِ؛
تصلحُ لتربيةِ الماعزِ والخرافِ
وتصلحُ لأدُقَّ من حولِها أسلاكًا شائكةً،
وأقفُ أعلى أرنبةِ الأنفِ حارسًا لها

والرأسُ تتشكلُ ملامحُها بطينِ الأنهارِ
ورواسبِ السهولِ والأبار.
والمسافةُ من أسفلِ الأنفِ لأسفلِ الذقنِ،
تصلحُ لبناءِ بيتٍ من بيوتِ اللهِ
يهرعُ إليهِ العابرون في كلِّ رحلةِ شتاءٍ أوصيف.

أما الرقبةُ الاسطوانيةُ التي تربطُ الرأسَ بالصدر ِ بمسافةٍ مشابهةٍ،
هي في الأصلِ ماسورةُ صرفٍ عملاقةٍ
تُفرغُ مابها في صحراءَ قاحلة.

والرأسُ تتلونُ بألوانِ الأجرامِ السماويةِ
لذا تحركتْ نحوي وأنا في غفلةٍ
كي تعتليَ جسدي من جديد.

محمد عكاشة
مصر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق