اتركوا لي هنا ورودكم ..
لأكمل باقة نعشي
و لتكن حمراء قاتمة بلون أحزانكم المعتقة
و لون دمي المتجمد عمرا في أوردتي و شراييني
اتركوا لي أغنياتكم المفضلة
لأجمعها في مقطع واحد
أدسه في حنجرتينا
ليصل مسامع كل من يمر بمحاذاتنا
يدندن معنا
يشهد أني و المقبرة نشكل كورال فرح
و يدون في مذكراته
لا خوف من المقابر بعد الآن
اتركوا لي قصائدكم الباكية
لأدعوها إلى حفل تأبين جسدي
أريد لرحيلي مشهدا شعريا كاملا
يجبر الموت على استقبالي بحفاوة
يحملني بين ذراعيه
كحبيبة هرمة مدللة
يرفعني نحو الشمس
لتبث الدفء في خلاياي المتبقية
و يكرر مشهد موتي ضاحكا
منشدا ما تيسر من حروفكم المتشحة بالضوء
و ليذق طعم حتفي الحلو
اتركوا لي ما عجزتم عن قوله
و احتفظتم به في غرف أشعاركم السرية
سأطلب من الموت أن يعلمني فك رموز الحياة
فهو بارع في حل الأحجيات
سأرسلها لكم لاحقا
تجدونها مرتبة في صناديق صدوركم السوداء
اقرؤها بتمهل و لا تجزعوا
ففي موت بعض الأشياء تكمن سعادتنا
اتركوا لي وصاياكم
ألا يحق لنا نحن المستضعفين أن نكتب
ما تمليه علينا حيواتنا
دون وصاية أحد
اتركوها
سأرفعها إلى الرب لصوغها بشكل آخر
يتناسب و أهواء الأرض
تجاهلوا لوهلة عبارة – طوبى للحزانى –
اتركوا لي أزاميل رحمتكم
لأحفر بها ثقوبا في جوف الأرض
تمر من خلالها سلاسل أشعة الشمس
أخاف البرد و العتمة
ذلك أني ما تعلمت يوما في هذه الحياة
كيف أدوس على الظلام ؟
ربما سأتقنه في ما بعد الموت
اتركوا لي اسم حبيبي
لأوغله في أحشائي
يقينا سألتقيه في حياة أخرى
أكثر إنصافا
ربما سأكون وردة برية وحيدة
في سفح جبل عال
تداعب ريح صيفية وريقاتي البتول
ليشرد عطري عميقا في براري الروح
أما أنت يا من اتحدت ملامحي
قبالة مراياك المتكسرة
فلتترك نظراتك طافية على جسدي
و ليكن رحيلا فائق الوصف
عليك ألا تنس ..
أنني جثة أحزانك الهامدة !