شعر فصحى

أحمد أنيس

نصوص

-١-
في مدينتنا
أحمق ما
قرر أن يطلي كوبري القطارات القديم
بالأزرق
هكذا اختفى الرمادي المحايد
وسقطت بعض الصور
من الذاكرة

-٢-
في نهاية الكوبري
مدرسة الثانوية بنات
هكذا كما لو كان قدري
وكما يليق بمراهق في التسعينات
اخترعت حبيبات في الضفتين
قطعت الكوبري مرارا خلفهن
تزوجنّ ، سافرنّ ، أنجبنّ وربما متنّ
وبقيت محبتي للعبور
خفيفًا بين الضفتين

-٣-
أول تلصص
على المؤخرات المترجرجة
مدفع الافطار في إحدى الضفتين
أول صيد لسمكة
أو لفتاة
أول تحرش من شاذ وحيد
أول قبلة مسروقة
صحبة جدي
أول قطار
مشاجرة ليلية
أول مسكة يد
صبية بالملابس الداخلية
يقفزون منه للنهر
رمي القطارات بالحجارة
فرحة الزجاج المهشم
قذف العربات بالبيض
بدايات الشر والغضب
أول مخمور
أصدقاء
زوجة
أبناء
حياة موزعة
أو ضائعة
بين ضفتين

-٤-
قبل أعوام
أشار جدي للافتة
(أنظر هنا بالإنجليزية
1913
يكبرني بثلاث أعوام فقط)
ذكر شيئًا لم أفهمه
عن الرجل الأبيض الكريه
(لم يكن هذا عَمَلًا لأجل الحب
ليس لنزهة عاشقين
ولا لمحبي السهر والصيد البسيط
هذه حيلنا
لسرقة السارق)
وذكر شيئًا عن الروائح
وعن قطارات قديمة
تحمل بهارات الشرق وشبقه
لقلب لندن البارد

-٥-
صديقي الطبيب
كان ذكيًا بما يكفي
ليكرهه الآخرون
لذا كبر وحيدًا
يذاكر بصحبة البرنامج العام
يحفظ أسماء الملحنين
والمؤلفين وتواريخ الحفلات
يقلد صوت الطبلاوي بمهارة
وبحكم الجيرة
يحظى بحماية الغضبان
– أشهر تجار السعادة في مدينتنا –
حين عاد من منحة الطب بألمانيا
وقفنا ندخن هنا
في منتصف الكوبري
قال بغضب
(هذه بلاد فقيرة
حتى في ألوانها
كل شئ رمادي
انظر
الهواء
الكوبري

حتى العصافير
ملونة في كل بلاد الله
إلا هنا
رمادية وكئيبة)
كان غاضبًا كجمهور مهزوم
ورغم هذا
تكرر عبورنا الكوبري
حتى رحل

-٦-

ترددت كثيرًا
قبل كتابة (الكوبري)
هل هي فصيحة
فكرت في الجسر
المعبر
ثم تذكرت أن الحكومة
لديها هيئة الطرق و(الكباري)

ترددت أيضًا
وأنا أخبرك عن المشاجرة
في المقطع الثالث
في الحقيقة
كانت علقة ساخنة
نزفت يومها
واختلط الأحمر
بالطلاء الرمادي المحايد
هكذا ظللت لسنوات
أرقب دمي
كيف يتسخ بالسواد
مع كل عبور للكوبري
وللسنين

-٧-
أحمق ما
في مدينتنا
قرر طلاء الكوبري بالأزرق

الآن
أنا في منتصف الكوبري
أدخن وحيدًا
بانتظار صديق غاضب
ربما يجيب عن بعض أسئلتي
من أعطى الأبيض الكريه
الحق في سرقة الشبق ؟
من أعطى الحكومة الحق
في التلاعب باللغة ؟
كيف يطلون الحياد بالأزرق ؟
ماذا ستفعل العصافير ؟

وهل حقًّا
يمحو الطلاء
أثار الدماء ؟

13/11/2018

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق