شعر فصحى

اشرف الجمال

وقائع الغياب

وقائع الغياب

أشرف الجمال

1 / الشص

مثل سمك البلطي الجميل
أنا وأصدقائي
عبرنا بحر الحياة ..
مِنّا من كان يوشوش الطحالب
ويحلم بمعانقة النجوم
ومِنّا من عاش يراقب الأصداف
ويصغي لغناء العصافير
في مجرة أخرى
آمنّا أن الماء رسالة محبة
لكن التيار جرفنا بعيدا .. وفرقنا
أحدنا حملته الأمواج لبحار بعيدة
وآخر مات مشنوقا بين صخرتين
وثالث رحل دون رجعة
أما أنا .. فلازلت عالقا بالشص
أنزف
أوهم نفسي بأنني سأقنع البحر
بإعادة التفاوض
وسأرغم الأمواج
أن تغير طريقتها في التفكير
أرقب مجيئهم على أطلال
قارب غريق
عسى الله أن يأتيني بهم جميعا
وبقعة الدم ..
تتسع من حولي .

2 / بما يكفي أن يراهن

أمي ..
التي لم تعرف القراءة والكتابة
بأدوات بدائية
كانت تجيد النقش على قلبي
اللغة التي حفرتها على الجدران
لم يكن يتحدثها سوى أهل السماء
الموكلين بإطعام الطيور الشريدة
كفّها المليء بالتجاعيد والأساطير
كان يحملني كمنطاد يطير بي
من مدينة لأخرى
كلما فقدتُ حبيبا
كلما كسرت شراعا
تضعني برفق على شاطئ البحر
وتشوي لي سمكا من ذكرياتها
وتأتي بالسفن المدخّنة بالهدايا
من قلب الحواديت
التي أدمن البحر رائحتها السحرية
فيسكن روعه
الآن .. صار البحر سيء الطباع
بما يكفي أن يقتحم نوافذي ليلا
يسرق صوري القديمة
ويشنق قِطّي الصغير على العتبة
ثم يتسلل كعِرسةٍ مسعورة
يمصّ دماء الحمام
الذي ربّته أمي .. في غِيّة روحي
لكن الحَمَام الذي راهن على الحياة
أكثر من العِشْرة
وأكثر من قلبه
قرر أن يطير …
بعيدا عن روح لا تصغي لخوفه
وصارت بحق .. ملغومة بالحنين
مليئة بالمخاطر .

3 / رجل همجي .. امرأة أرستقراطية

نظيفة أنت أكثر مما ينبغي
وأنا عبثا أجاهد أن أشفط الأحزان الدبقة
عن هذه القصيدة
لأنني علمت أنك ستمرين من هنا
وستضطرين أن تكشفي عن ساقيك
اللتين تلمعان كشمعدان أبيض
لكن أصدقائي المخلصين
صمموا أن يسبحوا معي
في هذه الأوحال حتى النهاية
صنعوا زحافة خشبية من أجلي
وحملوني عليها
جروني بالحبال لمسافات بعيدة
وهم يرددون أغاني الرعاة
وعمال السقالات
ليهونوا الرحلة على قلبي المتعب
الذي عانى طويلا بعد فراقك
فكروا كثيرا أن يصنعوا لي قلبا
من صاج مقوى
بصمامات معدنية
وخراطيم واسعة
تسمح بمرور الدم دون أن أتألم
عند بذل أقل مجهود يذكر
فكروا أيضا أن يغرسوا هدهدا
على شرفات صدري
ينقر الآلام أولا بأول
قبل أن تتضخم
وتسد الطريق في وجه الهواء
العابر إلى رئتي
وعلى سبيل المجاز
لنصٍ يشعر بدونية نحوك
حاولت أن أقفز
مرات ومرات
خارجا عن سطوته
وأتزحلق على الجليد الأبيض
منطلقا بسهولة ويسر نحو جبال نهديك
لكنني في كل مرة كنت أرتطم
بالأسوار العالية لحذائك الأرستقراطي
لأجدني ملقى إلى جوار أصدقائي المتعبين
بثيابهم الملطخة بأوحال الرحلة
منتظرين في العراء
آملين أن تسقط الأمطار
فوق رءوسنا
وأنت تجتازين كعارضة أزياء رشيقة
سطري الأخير
تساومين روحك النظيفة
أي الثياب سيليق بك
وأنت تدوسين كالعادة …..
فوق
قلبي .

4 / بما أن الرموز لي

عكس اتجاه النص
تسير روحي دائما
هو مشغول بقراءة العالم حين يتشظى
ظباءً متناثرةً خلف التلال
بحيراتٍ يتيمةً
شجرًا يشرب خمرًا لينسى
وهي ملغومة بالفرار منه ..
هو يفتح بابا للمعاني كي تمر آمنةً
دون سلاسل أو عكاّز
وهي تُساق من عنقها
ترسف بحقائقها ..
حبيتي تقول :
إنني أحمل فكرة متكبرة
وقلبا حانيا وعطوفا
زوجتي تخبرني بأنني دائما
الرجل الأسوأ في أحلامها
وإن كنتُ أبا مثاليا
أبنائي رغم ما يكنونه من محبة
يقولون إنني من نسي كلمة السر
أمام المغارة
الطبيب يقول :
جسدك مريضٌ
لأنه يكرهك …
وحدها أمي
بكل خطاياي
وبما أملكه من جراحٍ ثمينةٍ
هي من كانت تضع على العتبة
جرّة الحنان
فياضةً بوجهها ..
عُنقا وسِكّينا
يلتقي القلب دائما والقصيدة
طائرا ورصاصةً
تواجهني سهام استعارتها
وبما أن الرموز لي
ولا أحد يمكنه أن يشكك في هذا
أستطيع أن أؤكد باطمئنان صادق
الرمل الذي اختبأت تحته الجثة
لم يكن أنا
والهوة التي كان من المفترض
أن تصيرا نبعا
لم تكن حبيبتي
ضربة حظ وحدها
يمكنها أن تُنجي الغزال الأعزل
حين سينهار الجبل الحزين
فوق الممر
حجرًا
حجرا .

5 / سيدلّني الليل

لا تخافي
سيدلّني الليل
على طريق لا يؤدي إليكِ
على قطيع ذئاب عمياء
يقودني إلى قبور رفاقي القدامى
على قمر حزين يواسي نهرا
بت ليلة كاملة إلى جواره
يحكي لي عن حبيبة خانته
نسكر معا ونقول شعرا
يسير معي إلى حيث لا أدري
يضعني على عتبة أرملة جميلة
أتخبط ثملا في طريقي إلى غرفتها
تطير بي إلى سماء
لا تعرفك ولا تعرفني
نجومها الحزينة الحنون
لا علاقة لها من قريب أو بعيد
بحزن نهديك .

6/ علامة موتي

و هذه علامة موتي :
أن أقف أمام عينيك
دون أن أنبس ببنت شفة
كالغريق مودعا نخيل الشواطئ
كاللقلق الرضيع يرتقب عودة أمه
وجلا من الأفعى
كشجرة لا تنفك
مع الضربة الأولى للبلطة
تفيض دمًا …
وقصائد عمياء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق