شعر فصحى

عزمي عبد الوهاب

ساحكي لك كثيرا

قَرَّرتُ أنْ أخُونَ جَسَدي،
وأدْخلَ مَعكِ هَذه الغُرفةَ
للمرَّة الأخِيرةِ،
أصْطدمُ بالحَوائطِ وهيَ تَتعَرَّى
فِي ضَوءٍ رُومانسيٍّ شَحيحٍ،
وَبكِ
وأنتِ عَلى طَرفِ السَّريرِ
بِكاملِ مَلابسكِ،
وكَأنَّكِ عَلى وَشَكِ الخُروجِ
فِي نُزهةٍ نِيليَّةٍ،
سَأحْكِي لكِ
عَنْ رجلٍ غَبيٍّ،
دَائمًا مَا يُصدِّق الأكَاذيبَ،
فَقطْ
لِمجرَّد أنَّه يَثقُ فِي الشِّعرِ والأصْدقاءِ والنِّساءِ،
والمُدنِ المُغلَقةِ عَلى أسْرارِها،
لكنَّه تَعلَّم أنْ يَكونَ كَاذبا.
سَأحْكِي
عَن امرأةٍ
قادتْ رَجُلا إلى بَيتها
وَقبلَ أنْ يَهُمَّ بِها
رَمتْ حِذاءَه من الشُّرفةِ
ضاعَ الحذاءُ
وبَقيَ الرَّجلُ مُعلَّقا
عَلى سِلكٍ شَائكٍ
لأنَّه لم يَتعلَّم المشْيَ حَافيا.
سَأحْكِي
عن الأصدقاءِ
مُستعينا بسَعْدي يُوسف:
“يَبدأُ الخَائنُ بالمرأةِ”
ولأنَّني قَرَّرتُ أنْ أخُونَ جَسدي الآنَ
سَأحْكِي
عن النِّسَاءِ
وكيفَ ضَللتُ المَسافةَ بَيني وبَينهنَ
(حَافظتُ عَليها قَدرَ الإمكَانِ
لَكنَّ عِطْرا مُنسَحِبا مِن زَمنٍ سَحيقٍ
قَادني إلى هُناكَ
فَاكتشَفتُ خَرابا وجُثَثا
لم تَجدْ غُرابا يُواري سَوأتها)
سَأحْكِي
عن المُدنِ المُغلقةِ عَلى أسْرارِها
وكيفَ أدركَ الرَّجلُ الغَبيُّ
الذي صَارَ عَجُوزا،
أنَّ كُلَّ شَيءٍ كَانَ مُتاحا للجَميعِ،
بِاستثنائِه هُو؛
لأنَّ أذنيهِ تَسمعانِ – فَحَسْب – مَا يَدورُ بِداخِله،
ولأنَّ شَركاتِ المَحمولِ القَذرةِ
تُوفِّرُ الكثيرَ منَ الدقائقِ المَجانيةِ،
فَيطيرُ الغَرامُ فِي كُلِّ اتجاهٍ.
سَأحْكِي
عن الشَّاعرِ الذي خَذلَه قلبُه ليلةَ العيدِ،
ومَشتْ بهِ القَصيدةُ إلى حَتفهِ،
حَتَّى اقتربَ من بِئرٍ،
ولمَّا شَرِبَ
رأى جِلدَه يتسَاقطُ حتَّى سَال عَلى عِظامهِ.
سَأحْكِي
عن العجوزِ الذي يُجَافيهِ النَّوْمُ،
ويَأتيه الغُرَباءُ ليْلا؛
ليُضيئوا عَينيه،
فَيعرفُ كَم كَان عَبيطا
حينَ اختصرَ العَالمَ فِي امرأةٍ.
سَأحْكِي
كيفَ كَان الطَّريقُ إلى “قلعةِ قايتباي” دُخَانا؛
لأنَّ قُبلةً عَلى شَفتي امرأةٍ
لم تَكنْ شَهوانيةً بالقدرِ الكَافي،
وهَا هو يُمارسُ تَبريراتِه العَاجزةِ:
(الطَّريقُ الجَانبيُّ لم يكن مُظْلما، عَلى نحوٍ يَسمحُ لرجلٍ وامرأةٍ بتحويلِ العَربةِ الصَّغيرةِ إلى سَريرٍ للنَّومِ، كانَ يَشعرُ عَلى أيَّةِ حَالٍ بأنَّ ظَهرَه مَكشوفٌ، وأنَّ يَدا سوفَ تَشدُّه من يَاقةِ القميصِ، فَينتَهي الأمرُ عَلى نَحوٍ مَأساويٍّ)
وَفوقَ هَذا
سَوفَ يُؤكِّدُ لَها أنَّه كَانَ مُرْهَقا فِي عَملهِ اليَوميِّ، وأنَّه دَخَّنَ مَا يَزيدُ عَلى ثَلاثِ عُلَبِ سَجائر، ولم يأكلْ شَيئا، ولم يَنمْ مُنذُ يَومينِ. . . . . . . إلخ.
سَأحكِي
عن الثَّورةِ التي سُرِقَتْ من ميدانِ التَّحريرِ؛
لأنَّ الأشْجَارَ لا تَكبرُ فِي الصَّحراءِ،
وَأعمدةَ الكهرباءِ لا تُصدِّق غِناءَ الطُّيورِ؛
ولأنَّ رَجُلا مَهزومًا
أيقنَ أنَّ الأبديَّةَ شَيءٌ مُستحيلٌ،
أخَذَ يَحْكي هَاربا
فِي أحاديثِ الثَّورةِ،
ولماذا يَكرهُ الإخوانَ والسَّلفيينَ،
ولأنَّ شَيئا انْطفأ فِي روحِه
لم يَعد قَادرا عَلى الطيرانِ.
سَأحكِي لكِ كَثيرا
وسَتبقينَ صَامتةً كَبحيرةٍ مَهجورةٍ،
أنتِ بكاملِ مَلابسكِ تَماما،
وأنَا بِكاملِ الحُمَّى والهَذيانِ،
لا أعرفُ كَيفَ أعودُ إلى بَيتي
عَاريا هَكذا!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق