الثقافةشعر فصحى

عامر الطيب

العراق

قيل لي اخترْ بلاداً ترعاك
تسعك و تجفف بيتك و دمك ،
توفر لك الخبز و العتمة و الأيام
فاخترتك أيها العراق البهي
أيها الإسم المناسب
للغابة الحزينة،
اخترتك يا رفيق خجلي القديم
و خوفي و أسوأ هواياتي
يا سمكتي العاهرة
أتعلم السباحة
لأبحث عنك
و أغرق لأجدك عفناً على السطح !

أشرح لطفلك في بطنك
أشياء عن ندمي و هجرتي و موتي
أخبره أنني أحب البطن
الذي يحمله
و يشفع له و يحميه،
أخبره
شيئاً عن بلادي
وأنت تفكرين بإجهاضه
شيئاً عن إلهي
وأنت تفكرين بأن تهبيه حياته كاملة،
شيئاً عن حبي لك
وأنت تلدين !

لا أستطيع أن أشكر أبي و أمي
لأنهما حملاني
في الطوفان
و أعدا لي مكاناً دافئاً لأعيش،
لا أستطيع أن أخبرهما
أنني راض عن حياتي
إنها ليست مفاجأة
فالمصاب العزيز كان متأخراً للغاية
لقد ضرب الطوفان العالم
سنة ٦٥٦ للهجرة
و ضرب العراق سنة ١٩٩٠ للميلاد !

عندما كان الإله صغيراً
قال أتمنى أن أكون إلهاً صبوراً
في الصحو و في الحفلات
في الأخطاء و الكوارث
في جفاف الشلالات و في انقطاع النسل
سيهبني البشر
فرصة طويلة لأستجيب
سأرد على الرسائل القصيرة فوراً .
لكن أي شيء من ذلك
لم يحدث
ظل الإله صغيراً
و ظللنا نكتب الرسائل الطويلة إلى الله!

أنت في الصور أرق
مما تبدين عليه ،أطول و أشد بهجة.
في الصورة
التي تبكين بها
ثمة إبتسامة خفية كأنك تعرفين
أن المدن كلها عابرة
مثل دخان الموانئ .
أياً كان الزمن الذي عشناه
فإنه طفولتنا القصية
خبزنا الأسمر الألذ
قبلنا الطائشة أيضاً.
في الصورة التي تمشين
بها مع رفيقاتك
كنت تقفين شاحبةً ،
أما في الصورة التي تقفين بها
قوية و فاتنة
فقد كنت تمشين معي!

في الحل و الترحال ،
في كلماتي التي أستعيرها و في جفافي،
عندما أغتم و عندما أطير
ليس هناك سوى المرأة
كلها أو بعض منها
في فجوري و عفتي
في بكائي
و في نسياني كل شيء،
ليس هناك سوى المرأة
كلها أو بعض منها
في الحب و في الضغينة
في الرغبة و في السأم
في أوراق الميلاد و في حقائب السفر أيضاً.
ليس هناك سوى تلك البذرة السحيقة
في هذا الجسد الخصب
المرأة التي لن تصير ماضياً
لأنني لن أحبها الآن!

لا أكتب الشعر من أجل أن تبدو
حياتي أسوأ
من أجل أن أبكي مثل شجرة
مقطوعة،
أو من أجل أن أخدعك
بالمباهج و القصص و الأغصان
بالمواويل
و بالصور
لا أكتب الشعر من أجل
الأبدية
أنني لن أعيش أكثر من يومين
هذا اليوم لأحبك
و غداً لأحميك من هذا اليوم فقط!

تنتظرين أن أصير صلباً
مثل الجدار ليمكنك مبادلتي الحديث
بصخب ،
ليمكنك لومي و تعنيفي
البكاء حولي و علي
ومن أجلي ،
ليمكنك مبادلتي الحب
إن وقعت فجأة
أو مبادلتي المرح
إن ظللت صامداً و حجبت عنك النور !

عامر الطيب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق