الى أين يا صديقي
يا محرر صفحة الوفيات؟ !
تفضّل وأشرب معي قهوة الصباح…
لا تخف
الحياة ليست هنا. قربي…
إنها أبعد ما تكون عن هذا المكان!
مع أن الشقة جديدة
والفناجين جديدة
والصحون تلمع والممسحة بيضاء
مع أن الشرفة سعيدة جداً بقدوم الصيف الذي لن يأتي هذا العام
ولا العام الذي سيليه
ولا الذي بعده
لسبب بسيط:
لا وجود لتلك الشرفة أصلاً!
الفاكهة رخوة والسكين على الحافة…
الخبزة ما زالت هي نفسها والجبنة نفسها والشاي ماركة رأس الحصانين…
الاكتئاب هو نفسه
ومضادات الإكتئاب أيضاً
كذلك المسكنات والمهدئات
دواء تفتيت الكوابيس ومسحوق تلميع الأحلام
حبوب للماضي الذي مضى
وأخرى للنسيان.
وهكذا,
فالحياة أبعد ما تكون عن هذا المكان.
أنظر هناك يا صديقي يا حفار قبور أحبتي
يا صانع الأكاليل وغارس الزهور وراعي الفراشات
أنظر الى تلك التلة
هناك
وراء الأفق..
أنظر جيداً فأنت لن تراها أبداً
لسبب بسيط جداً : لا وجود لتلك التلة على الإطلاق…. ليست خلف الأفق ولا قرب المخيلة
ليست هنا أو هناك..ولا في أي مكان آخر..
على اي حال,,
لنفترض أنها موجودة..
لو نظرت اليها جيداً ربما سترى خلفها عدة بِحار وسفن
بنايات وشوارع
بضعة جسور وأشجار….
بحاراً يلوح لأصوات النوارس وهي تبتعد…..
متسولاً يساوم على سيجارة… زنجية علق شعرها المستعار بباب المصعد…
تلاميذ في رحلة مدرسية
باصات تقلهّم واحداً واحداً الى البيت
إلى المتحف
إلى الغابة
أو إلى العدم
هذه هي الحياة!!
الحياة التي لن تراها هنا ولا هناك
ولا في أي مكان آخر!