مدارج الخذلان
عاطف عبد العزيز
ذات يوم،
اضطررتُ إلى وصفِكِ لرفيقٍ في غربتي.
كنتُ أحاولُ وقتَها،
أن أبدِّدَ اللّيلَ الذياستمدَّ سُمْكَه من الصَّحراءِ حولنا،
قلتُ له:
«رخامةٌ بيضاءُ لا شِيَةَ فيها»،
رفعَ الرَّجلُ الغريبُ حاجبيهِ كأنه تذكَّرَ شيئًا،
ثم انهمكَ في إشعالِ سيجارتِه.
لا أذكرُ الآن التَّفاصيلَ.
ربما حينَها،
كنتُ أستحضرُ جِيدَكِ الطَّويلَ النَّاعمَ
الذي طالما تمشَّيتُ جنبَهُ دون أن يشعرَ بي.
لعلَّني حينها أيضًا،
كنتُ أحاولُ أن أُكوِّنَ فخذَكِ اللامعةَ من غابةٍ
محروقةٍ،
اسمُها الخيال.
هل يُفسِّرُ هذا، تلك الرجفةَ الخفيفةَ
التي عَرَتْ يديَّ ذات يومٍ
وأنتِ تُؤكِّدِينَ للجميعِ -بتقاطيعَ مطمئنة-
كيف أنكِ من طِينةٍ أخرى؟!
في ذاكَ اليوم،
حاولتُ المشيَ على الخطِّ الواصلِ بين
الطِّينةِ والرُّخام،
بحثًا عن حقيقتِك.
حاولتُ، فوجدتُني أمرُّ بغابتي المحروقةِ نفسِها،
وأتعثَّرُ بقلبي،
ثم سرعان
ما انقلبتُ على عقبيّْ.
أفكِّرُ الآنَ،
في المساءِ الذي أمكنكِ فيه استدراجي
إلى غرفتك،
أتذكرين؟
إنها الغرفةُ التي كانت تُطلُّ على حديقةٍ
من العتمة.
أفكِّرُ الآنَ،
كيف أمكنكِ استدراجي إلى الخذلانِ
وأنا أعرفُ كُلَّ ما أعرفُ.
كيف صعدتُ إلى الطَّابقِ الثَّالثِ بقدميَّ هاتيْن!
ولماذا -وأنا في المِصعدِ- لم أقوَ
على إيقافِ ماكينةِ الخيالِ التي اشتغلتْ فجأةً،
حتى رأيتُني،
فوقَ عمودِكِ الفِقَريِّ مرتكزًا بحقوي
على فلقتيكِ الناصعتيْنِ.
رأيتُني أتوسَّدُ صدرَكِ الرَّيَّانَ تارةً،
وتارةً أتوسَّدُ السُّرَّةَ الناضجةَ مستغرقًا في سُباتي.
ثم رأيتُني،
آخذُ برعمَكِ النابضَ على طَرَفِ لساني منصتًا
للنَّحيبِ العميق،
النَّحيبِ الذي بدا قادمًا من بعيدٍ،
كأنه لخاطئةٍ،
تنتفضُ خلفَ سِتارةِ اعتراف.
لا شأنَ لي إذن،
بجسمِكِ الذي يقفُ الآن أمامي كحائطٍ عريضٍ،
لا كَوَّةَ فيه ولا نافذةٍ يا رخامتي البيضاءَ.
لا شأنَ لي وأنا لستُ سوى حطَّابٍ
يقفُ على بابِ غابةٍ مرَّتْ بنيرانٍ،
أو مرَّتْ بها نيران.
..
أما النحيبُ،
فأمرٌ لا أظنُّهُ سوف يخصُّ أحدًا هنا،
النَّحيبُ –بلا ريب- له ناسٌ من طِينةٍ أُخرى.
***