الثقافةفعاليات ثقافية

فتحي عبد السميع

عبد السميع يرد على صلاح فضل

ماذا حدث للدكتور صلاح فضل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحي عبد السميع

يواصل الدكتور صلاح فضل هجومه على النص الشعري الجديد ، وذلك عبر وسائل مختلفة، فمرة يسكت عنه سكوته عن العدم، ومرة يضعه في سياق غير مناسب ليبعد عنه القارئ العام، ومرة يهاجمه بشكل مراوغ، وهو ما يظهر في مقاله الأخير الذي جاء تحت عنوان (ماذا جرى للشعر العربي)، وسوف نتوقف هنا مع بعض الملاحظات على مقاله.
1ـ يعاني الدكتور صلاح فضل من شرخ يجعله يسقط في التناقض ويهرب من المواجهة الصريحة، فتشعر بأنه يكتب وفي ذهنه حسابات كثيرة، فهو يعرف نقاط ضعفه و يحاول طمسها بنفسه، أو يعرف تهمته ويحاول هدمها، وهكذا يهاجم النص الشعري الجديد هجوم شديدا، بحيث يخرج القارئ العام بانطباع يقتل هذه التجربة في أعماقه. وفي نفس الوقت يترك الناقد إشارات يمكن أن يستند عليها ليصرح بأنه منفتح ومدافع عن الجديد.
يقول الناقد أنه يكتب “دون اللجوء المعتاد لنبرة الحنين للماضي الجميل التي اعتادها كبار السن في إدانتهم للتطورات اللاحقة وعجزهم عن فهم آلياتها، مع أن الحاضر يشهد ولادة ما تم تخليقه في الماضي القريب، وما نشهده اليوم نتاج طبيعي لما اجترحناه بالأمس”
لا يثبت المقال أن الدكتور صلاح يمثل استثناء من طبقة كبار السن التي يتحدث عنها، ولعلنا لا نذهب بعيدا إذا قلنا أن المقال يذهب لما هو أبعد من الحنين المعتاد، وهو الجمود أوالتوقف الأسطوري السلبي عند لحظة زمنية معينة، وتحويلها إلى عصر ذهبي كما عبر عن ذلك حرفيا في موضع لاحق.
2ـ لا يطرح الناقد أفكاره بشكل جسور وحاسم، بل يلجأ إلى ألعاب كثيرة تتيح له فرصة المراوغة، وهكذا يصنع حائطا كي يستند عليه أو يختبئ خلفه، ثم يلقي بأحجاره من مخبئه وعلى سبيل المثال: ـ
أـ يستدعي كتاب الدكتور جلال أمين (ماذا حدث للمصريين) كي يستفيد من أصداء الكتاب وكأننا أمام محاولة توازي جدية جلال أمين وعمقه، لكن في رصد التحولات التي حدثت في الشعر، او تسليط الضوء على الحراك الشعري وتحليله بشكل دقيق، وهذا لم يحدث.
يستدعي حائط جلال أمين ، لكنه يحور العنوان ليصل إلى دلالات مختلفة ، حيث يحذف كلمة (حدث) ويضع كلمة (جرى)، وكلمة (جرى) تزيد من بشاعة ما حدث أو من سلبيته، وهكذا لا يتكلم عن متغيرات بل يصدرا حكما يدين النص الشعري الجديد وهو يوهمنا بالحديث عن متغيرات، أو الحديث عن موت الشعر.
ب ـ يستدعي مقولة عبد المعطي حجازي التي تتحدث عن مرض الشعر، لكنه يذهب إلى ما هو أبعد، حيث يعتبر تجربة حجازي موازية لنهضة الشعر في العصر العباسي، وكأن الشعر بعد جيل حجازي الذهبي حسب قوله ، سوف يعاني من الانحطاط كما حدث بعد العصر العباسي، والنتيجة هي الحكم بانحطاط النص الشعري الجديد.
3ـ يلعب الدكتور صلاح فضل على وتر القطيعة كسبب من أسباب انحطاط النص الشعري الجديد يقول “قصيدة النثر الحداثية تصنع قطيعة مزدوجة مع التراث القريب والبعيد، وأخرى ممضة وأليمة مع ذائقة الجمهور، حيث أدارت ظهرها له، وسخرت من سطحيته، وتشبثت بعوالمها التجريبية الفردية، وعزفت عن تمثيل رؤية الجماعة واحتضان موروثها الجميل”
لا يعبر هذا الكلام عن ناقد متابع أبدا، بل يعبر عن ناقد متوقف منذ ربع قرن على الأقل، حيث قيل هذا الكلام بالحرف منذ عقود، مع التجارب الأولى لتلاميذ أدونيس، ولا ينطبق على الكتابات الشعرية الجديدة، وهي أقرب في الحقيقة للجمهور من تجربة حجازي نفسه، ولا يمكن أن تعبر عن قطيعة أليمة وممضة، بأي حال من الأحوال.
4ـ بحكم ثقافته يمتلك الدكتور صلاح فضلا وعيا كبيرا بالشعر، لكنه في نفس الوقت يمتلك قدرة كبيرة ومؤسفة على تكبيل ذلك الوعي، وخنقه، والمثال على ذلك نجده في نفس المقال حيث يطرح رؤيته للشعر و يختار نموذجا يدلل به على قوة وحيوة وعظمة الشعر، يقول” الشعر فى جوهرة طاقة مموسقة، وروح مجنحة، وصناعة لغوية فائقة، فهو جنون اللغة وعبقريتها، وكنز تجددها وخصوبتها، وهو كذلك منجم الخيال الخلاق الذى يمد العلوم الفنون الأخرى بطاقات الصعود فوق سطح الوقع، بمجازاته وصوره، واستعاراته ورموزه وأساطيره حتى تحلق فى فضاء الحلم والخيال”
هذا وعي عميق بالشعر يُحسب للدكتور صلاح، لكنه عند التطبيق لا نعرف ماذا حدث للدكتور صلاح فضل، لأنه يتحول إلى شخص آخر تماما لا علاقة له بذلك الوعي، وهكذا يختار نموذجا خطابيا مباشرا من شعر نزار قباني لا يعبر أبدا عن روح مجنحة، بل يخلو تماما من جنون اللغة وجموح الخيال إلى آخر ما يعبر عن جوهر الشعر وفق رأي الدكتور. ويحدث هذا مع نماذج أخرى كثيرة تخلو من الصناعة اللغوية الفائقة ، وكأنه يتناولها كي يتناقض مع هذا المفهوم .
لا يبدو اختيار النص هنا من أجل الشعر ونصرة الشعر، ولكن من أجل استغلال محبة الجمهور العام لشعر نزار، في بناء كراهية النص الشعري الجديد ولهذا يقول بعد تحليل قصيدة نزار التي لا تحتاج إلى تحليل :
“أما التيار الآخر الذى آثر هجر الإيقاع وفض السامر والإيغال فى الإبهام الفاتن فقد أعطى صورة نخبوية لقصيدة الحداثة المترفعة، وهو على أهميته فى ابتكار التقنيات الجديدة واختراق العوالم المعقدة المستعصية يظل حبيس دوائره المحدودة، وقد أمعن الناشرون فى تجاهله”
مرة أخرى يقول كلاما لا ينطبق على النص الشعري الجديد الذي يخلو من الإيغال في الإبهام الفاتن، وهنا تظهر كلمة الفاتن كحائط يستند عليه، فهو مع النص الشعري الجديد ويراه فاتنا، لكنه يتخلى عن دوره في كشف تلك الفتنة، ولا يقدم نموذجا لتوضيحها، بل يسكت، ليقتل تلك الفتنة بالسكوت، كما قتلها بمصطلح الإبهام لا الغموض، الإبهام المبالغ فيه (كمان).
إن لم تكن أفقا فلا تكن حجابا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق