الثقافةشعر فصحى

حسونة فتحي

مصر

لم أُخبِر أحَدًا

صباحٌ شَتويّ هادئ
مرَّت شهورٌ طِوالٌ وأنا أنام دون أحلامٍ ملوّنةٍ
أو كوابيسَ تداني قسوة الواقعِ
في زمنٍ سحيقٍ، وصباحٍ شَتوي مشابِهٍ
قالت: رأيتُ الليلةَ وجهَ عمّي في الحُلْمِ.
قال:روحُ أبي إذن تطلب صَدَقَةً،
سأذبحُ ذبيحةً أوزِّعُها.
قلتُ ببلاغة ابنِ الخمسِ سنوات:
وأنا رأيت الله يا أمي.
قالت بنبرة حادة:لا تخبر أحدًا بهذا.
استأنفتُ: كان جالسًا على كرسيّ خشبيّ
دعاني إلى جواره وضحِكَ لي
ثم ربَتَ على كتفي
ضِحكتُهُ طيّبة وجميلة.
كرّرَتْ قولَها وأكّدَتْهُ:لا تخبر أحدًا.
لم أُخبر أحدًا، ولم أُدرِك أسبابَ رُعبِها لسنواتٍ
كلّما مرِضْتُ أو تأخرتُ.
بعد عشرِ سنواتٍ، في صباح شَتوي مشابه
قلتُ:رأيتُ الليلةَ وجهَ الرسول،
كان مقبلاً من أعلى الجبل ويضحك لي.
قالت بعد أن صلّت عليه: إممم..
ربما جاء ليُذَكِّرَكَ أن تظل قريبًا من الله.
لك يا بُنيّ أن تُخبرَ من تشاءُ بما تشاء.
لكني لم أخبر أحدًا،
ولم أعرف أين الله لأخطو تُجاهه.
بعد نحو خمسٍ وثلاثين سنةٍ
وفي صباح شَتويٍّ ممطرٍ قالت: رأيتُ الليلةَ وجهَ أبيكَ.
قُلتُ: علَّ صَدَقةً تُريني وجهه.
قالت: بعد عمرٍ طويلٍ.
لم أرَ وجه أبي لكنْ بعد سنواتٍ قلائلَ
رأيتُ وجهيهما معا ضاحكَيْن مستبشرَين.
لا زلتُ يا أمُّ، لا أخبرُ أحدًا
وكدتُ أنسىأنني ذات صباحٍ شَتويّ قريبٍ
رأيتُ وجهَ البلادِ عابسًا، ساخطًا
وأنني منذ ذلك الوقت
أنام دون أحلام ملوّنةٍ أو كوابيسَ تداني الواقع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق