فعاليات ثقافية

دكتور محمد البدوي

القراءة العاشقة

القراءة العاشقة والنقد الأدبي

بقلم : د.محمّد البــدوي (تونس)

من نافلة القول أن نتحدّث عن تعدد أنماط الكتابة النقدية أو بالأحرى الكتابة التي تريد أن تنتمي إلى النقد صراحة أو بطريقة ضمنية. ومن هذه الأنماط ضرب انتشر في السنوات الأخيرة وشاع تحت اسم “الكتابة العاشقة” وقد نجد الإقرار الصريح بهذه التسمية من طرف بعض المنتمين إليها كما في مقالات لعثمان بن طالب: ” لقد قادني سؤال المولدي فروج عن النار إلى سؤالي عن الشعر منذ راودتني لعبة القراءة العاشقة، هو سؤال ثابت متحول ، متجدد بضغط إفرازات الحداثة، أصبح السؤال اليوم في ثقافتنا الشعرية مفتاحا استراتيجيا يتجاوز الشعر إلى لغة الإبداع في سياق فهمنا لشروط إبداع وجودنا”.
وقد لا يعير آخرون أهمية إلى التسمية وإنما كتابتهم تفرض على القارئ أن يدرجها في هذا الباب دون غيره.
و”القراءة العاشقة” امتداد لفعل الكتابة وهي تقوم على التأمل في عدد من النصوص الأدبية والتعامل معها بمحبّة ظاهرة وإعجاب مكشوف تدلّ عليه الصيغ المستعملة، وطريقة إخراج النصّ النقدي فيصبح النصّ الثاني كتابة جديدة فيها من الإبداع في الصياغة وتوفّر المجاز ما يجعلها أقرب إلى الكتابة الإبداعية منها إلى النصّ النقدي الذي تحكمه ضوابط علمية وصرامة منهجية.
في الكتابة العاشقة انحياز ظاهر إلى النصّ المستهدف وطبيعيّ أن يكتب القارئ عمّا يحبّه من النصوص ويشدّ انتباهه، بما فيه من خصائص فنّية ومضامين يشترك فيها القارئ مع الكاتب.
والقراءة حسبما جاء في معاجم المصطلحات تدلّ على جملة من المفاهيم من بينها “طريقة خاصّة لتأويل ما يقرؤه المرء لنصّ فهمه غيره فهما مختلفا فيقال مثلا: قراءة جديدة لمسرحية هملت، بمعنى تأويل جديد لها . وهذا الاستعمال غير شائع في العربية.”
وفي معجم آخر فإنّ القراءة هي “طريقة مخصوصة في تأويل ما يقرأ النّاقد” وهذا خاصّ بالأدب لأن القراءة في الدراسات القرآنية وغيرها مختلفة.
ولو ألقينا النظر لوجدنا القراءة العاشقة منتشرة في مقدّمات الكتب وخاصّة منها المجاميع الشعرية، وفي عدد من المقالات التي تتحوّل إلى كتب.
وسأكتفي في هذه المداخلة بالحديث عن عدد من المقدّمات والمقالات عثمان بن طالب مستشهدا بواحدة كتبها في الشاعر المولدي فرّوج ولعلّ ما كتبه في محمد علي الهاني وآخرين لا يكاد يخرج عن هذا الأسلوب.
ويمكن الوقوف عند عدد من الخصائص التي تشترك فيها الكتابات العاشقة.

1) – انتشار المجاز:
إنّ الذي يميّز القراءة العاشقة هو الانتشار الكبير للاستعمالات المجازية بطريقة يكاد يتحوّل معها النصّ من عمل نقديّ إلى نصّ أدبيّ…إنها في الغالب نصّ على نصّ يحمل تأملات صاحبه في جملة من المواضيع كان القادح إليها النصّ موضوع التقديم والبحث. وليس غريبا أن يصبح النصّ الثاني جديرا بدوره بالقراءة والتحليل والتأويل. والأمثلة على هذا كثيرة نذكر من بينها على سبيل الذكر والاستشهاد:
– من مقالة عثمان بن طالب في شعر المولدي فرّوج: ” من أين تأتي النار ؟
” هذا سؤال الأسئلة… من فجر البدايات إلى بزوغ الخير و الحقّ والجمال في ملحمة الوجود… هو سؤال الشِّعر منذ الأساطير الأولى حيث مجاز الطهر والخلق و الصعود إلى دائرة النور والاحتراق بسعير الجسد و المعنى وجوهر الروح، سؤال الشعر منذ تلبست به لعنة الجنون في قول الرّب، خطاب الخطيئة وموقع التفرد والعصيان وتهمة الشعراء ، يقف المولدي فروج أمام احتمالات السؤال ينظر من شرفته إلى قرص الشمس يعكس في فضاء الكون بركان الأرض.بين النور والنار، يطلع النهار على الناس. يتهجّى الشاعر دفتر الأيام ويتلمّس دفء السؤال ومرارته. من وجع الكلمات يولد القصيد معمارا لإقامة الكائن المثقل بالسؤال…. هذه النار / الرماد شمس شتائية تشرق على بيوت الطين و توقع كل القصائد ، تشهد من وراء السحاب على صمت الشوارع و صوم الشعراء، على رقصات الخصر وعظمة القصر وحكمة الحجر، أبواب وأذيال وثعالب وكلاب ومخلوقات أخرى لكتاب الحيوان يسوقها ابن المقفع إلى مقامات الحداثة في شوارع الملل ومقاهي الإشاعة والكسل…هناك حيث تلتقي الأذهان والأعيان لصياغة سيناريوهات ما بعد الحداثة.”
– ومن مقدمة عبد الحميد خريف لديوان سميرة الشمتوري “عازفة الصمت” : سفر في انحناءات الروح وفي تعاريج الزمن تطويه مع مجموعة قصائد أرادتها الشاعرة سميرة بوحا لسرّ يسكنها ويدفعها للبحث عن باب مدينة النحاس في عالم تشابهت فيه مفاتيح الطرق المتشابكة …قدر هو الرحيل ومقدّرة هي الخطى ومحسوب هذا الزمن على الإنسان الذي يحتار البقاء في مكان واحد ….نحن نكتب لا لنحترق ولكن لنوقد شموع الأمل والفرح في مدن تبدو خاوية ..
– من مقدّمة المنصف الوهايبي لديوان لمياء بلحاج ” مرآة وامرأة والبحر ” : أمّا هذه النصوص الشعرية التي تكتبها لمياء بلحاج فهي تتزيّا بذاتها وتستصحبها …تجوس في أدغال ذكرى ما وتستأنس بها لكأنّها وشم على باقي وشم، كتابة على مطموس كتابة. طرس يُمحى ويُكتب فيحيى وشما كاد يعفى وكتابة كادت تبلى.
إنّها قيافة فضاؤها الذات . تترسم الدارس فتستجلي البقايا وتستجمع الأنقاض، وتفلي النفس على صور وكلمات وتحرّك الوهم والخيال في استنساخها واستحضار ما غاب منها وحضر من خافت أجراسها ورجيع أصدائها حتّى إذا همّت بها الذات الشاعرة تخفّت الصورة وانسربت بين حروف وفوارز وعلامات استفهام وتعجّب وهي تشعّ بنور يتمدّد ليغمر زوايا في الذاكرة محتجبة معتّمة . فالنصّ الشعري الذي تكتبه لمياء هو على علائق بهذه الذكرى خفية…هي مصالحة آنا ومشادّة آنا أكثر مما هو على علائق بنصّ غائب…
– من تقديم محمد البدوي لديوان شكري السلطاني “نوافذ العشق والنار” : هل أتاكم حديث الشاعر يقدّ من ميّت الحروف دنيا من الخيال والأحلام، يبنيها من آماله وآلامه فإذا هي مرآة ناطقة بالحياة نقرأ فيها أحاسيسنا ونشاهد فيها ذواتنا وهي تحبّ وتطمح وتشكو في صمت، تعانق أشواق الحياة وتفيض إيمانا وتلتهب حماسا للوطن تحمله عاليا فوق كلّ الأوطان.”
إنّ هذه المجازات وغيرها تنطبق بلا شكّ على ما اقترنت به من نصوص ، لكنّه انطباق لا ينفي إمكانية أن يُسحَب على نصوص ومجالات أخرى كذلك غير التي اقترن بها أوّل الأمر. وغير خاف على القارئ ما يبذله أصحاب هذه المقالات والمقدّمات من جهود لتقديم نصّ فيه إيقاع وتصوير وصياغة فنّية تتجاوز مجرّد الوصف والتحليل، ومن شأن مثل هذه الصياغة أن تغري المتقبّل بالإقبال على النصوص فيكون الدور الذي تقوم به دورا دعائيا فيه الكثير من الإغراء، حتّى وإن كانت هذه النصوص الشعرية جديرة بهذه الدعاية .
2)- تعميم المصطلح وتمييع المفاهيم:
وما يميّز القراءة العاشقة للنصّ الشعري الحديث انطلاق أصحابها من نظرة إلى الشعر تتّسم بالغموض والضبابية تصبح معها المصطلحات النقدية غائمة. فالخلط بيّن بين المصطلحات كالقصيدة والنصّ الشعري، والكتابة والإنشاد، والبوح والقيافة…إلخ وحتّى مفهوم الشعر أساس الكتابة غاب وراء عبارات فضفاضة قابلة لكثير من التأويلات حتّى وإن بلغت حدود التناقض لأنّ هذا التعريف للشعر قد ينطبق على نصوص غير شعرية. وقد تنوب عن الشعر مصطلحات أخرى قريبة منه ولكن يمكن توظيفها في غير الشعر الحديث كالنشيد ومشتقاته، والفنّ ، والصياغة…

– يقول محمد الهادي الجزيري: ” الشعر فضيحة الأنا والجماعة فضيحتنا وصليبنا المتاخم للمشمس المشرف على حفلاتنا التنكّرية المتراقصة المتلاحمة المتناحرة المتقاطعة في الشوارع والزوايا والقصائد والنصوص، الشعر ترنّح الروح فوق بياض الأوراق وتوهّجها داخل غابة الأبجدية، الشعر غريم الثبات وحليف السؤال، الشعر ذهاب في النصّ والأرض بقوّة ولا لوم على المقرفصين في حلقات الذكر الأدبي إذ أنّ السكون والسكينة والمسكنة قدرهم المحتوم .
الشعر جرس الخروج من القطيع إلى الإنسان جرس الخروج على القوافل والمواكب المثقلة بالمحظور والمسكوت عنه، الشعر خلخلة للسائد وتأسيس للإرباك والإدهاش، الشعر “ما قال الفتى لفتاته” وما لم يقله بعد….الشعر حلم نحاول جميعا تذكّره ونطارده.

– قال مصطفى المدايني في تقديم ديوان عبد السلام لصيلع: (عذابات في المنفى):” حدّد العلماء والنّقاد الشعر بأنّه الفنّ المعبّر عمّا يجيش في الصدور من عواطف وأحاسيس وأحلام ينفثها الشاعر ليعبّر بها عمّا يختزله من معايشة للمجتمع. وعبد السلام لصيلع شاعر تونسي راج شعره على نطاق واسع فشغل الناس وأقام الدنيا ولم يقعدها وتلاقفت وسائل الإعلام على اختلافها قصائده فملأت الصحف والمجلاّت….”
– عند نصر سامي يلتفت المرء إلى اعتبار غير متداول كثيرا، اعتبار أنّ الشعر طريق لا نداء فقط ومن هنا تتأصّل راديكالية النصّ. الشعر انتفاضة الظاهر، إنّه موجة الارتعاش التي تستغرق العمق الخفيّ للنصّ وتطلع شعاعاتها في دقائق النسيج . مجموعة نصر سامي الأولى خطفة الاندفاعة الباهرة. – سعدي يوسف (على غلاف ديوان “ذاكرة لاتساع اللغات”).
– المنصف الوهايبي : ولم يزل للشعر سلاسة المحال وسماحة اللبس ما احتشدت له اللغة من كلّ وجه وراضته بكلّ سبب. وقد يكون الشعر في بعيد تجلّياته الفنّ الذي يحفظ على اللغة طراوة الرحم الأول ودفء المشيمة الأولى حيث تنشدّ الرموز إلى مفردات الكون وأشيائه في تحابك أنطولوجي فريد…فالشيء هو الرمز والرمز هو الشيء وما داما على هذه الهيئة فإنّ اللعب بهما ليس إلاّ السمة التوليدية الإبداعية التي تدفع باللغة إلى التخوم حتّى لتشرف بها على الكون والفساد.(من مقدمة ديوان لمياء بلحاج)
– محمّد البدوي من مقدّمة ديوان نورة عبيد” بوابات على ديدان النسيان”: “وباكورة أشعار نورة عبيد “بوّابات على ديدان النّسيان” ضرب من هذا النشيد سعت من خلاله إلى أن تصوغ ملحمة الحياة بما فيها من أفراح وأتراح…همّها لا أن تضمّد وعينا بالمصير وتعزف لحن النّسيان الجميل، بل أن تجدّد الذكرى و تحييها وتجعل أعيننا مفتوحة على حقيقة الفناء، و صورة الديدان ترعى الأجساد الجميلة و ما حملته من ذكريات..و قيم.. وأحلام…”

3)- تشجيع الكتابة للناشئين :
مما لا يخفي على المتقبل قارئا أو مستمعا أنّ جلّ المقدّمات التي تحدثّنا عنها هي لمجموعات كتبها شعراء ناشئون وأغلب المقدّمات المعتمدة في هذه المداخلة كانت لمجاميع أولى. ولهذا كان المقدّمون يسعون إلى التشجيع والأخذ بأيدي الشعراء وأقلامهم. والمجموعات التي تمّ اعتمادها عديدة نذكر منها :
– مقدّمة المنصف الوهايبي لمجموعة لمياء بلحاج “نار وامرأة وماء”
– مقدّمة محمد الهادي الجزيري لديوان فاطمة بن فضيلة “لماذا يخيفك عريي”
– مقدّمة محمّد البدوي لمجموعة نورة عبيد “بوابات على ديدان النسيان”
– مقدّمة المنجي الكعبي لمجموعة عمّار العوني “فردوس الشعراء”
– مقدّمة عبد الحميد خريف لديوان سميرة الشمتوري “عازفة الصمت”
– مقدّمة مصطفى المدايني لمجموعة عبد السلام لصيلع “عذابات في المنفى”
– مقدّمة كمال قداوين لديوان أيمن جاء بالله “زهرة الريح”
ومن مظاهر التشجيع المباشر ما جاء في هذه المقدّمات:
– فلتحملي يا سميرة شمعتك ولتدخلي مدينة القصيد لأنّك واقفة على الباب الذي بحثت عنه طويلا وها هو أمامك فادفعيه وادخلي ..وأنيري بشمعتك مسالك الليل المعرّش على الأزقّة (مقدّمة عبد الحميد خريف لمجموعة سميرة الشمتوري “عازفة الصمت”)
– ولأنّي لن أحيد عمّا عهده تلاميذي فيّ من قلّة التنقّص من مواهبهم وعدم البخل عليهم بكلّ ما يرفع هاماتهم عالية أمام المستكبرين من النقّاد ، ومحترفي كسر العزائم من أجل النهوض بقاماتهم القصيرة وسط الأقزام. (المنجي الكعبي من مقدّمة ديوان عمار العوني فردوس الشعراء)
– محمد البدوي من مقدّمة نوافذ العشق والنار لشكري السلطاني: كذا يحس القارئ وهو يطالع مجموعة شكري السلطاني ” نوافذ العشق والنار” باكورة أعماله و بدايته على درب الإبداع الشعري…فهل يركب في قادم الأيام صهوة الرعد فيعصف بما رث وتداعى من الأثاث القديم و يتخذ لنفسه مسلكا لم تطأه الأقلام من قبل ويكتوي بلهيب العشق والنار بدل أن يطل عليه من النوافذ
– هذه كلمة أولى في هذه المجموعة وهي قراءة تقديمية حميمية لا غير وليست نقدية يراد منها الدعم والتشجيع والبناء وللدارسين والنّقاد مطلق الحرّية في تأييد أو تفنيد ما جاء فيها وماذا تضيف شهادة شاعر في شاعر ، بالتأكيد ليس الكثير لأنّ ذلك من مشمولات النقد الأدبي والنّقاد وما أنا بأحدهم.( كمال قداوين من تقديم ديوان أيمن جاءبالله “زهرة الريح”)

4)- حضور التحليل والأحكام النقدية باحتشام:
من الخصائص التي تميّز القراءة العاشقة للنصّ الشعري المعاصر حضور بعض الفقرات الوصفية والأحكام النقدية ولو بصفة محتشمة ومن شأن هذا الحضور أن يشرّع للنصّ العاشق أن ينخرط في القراءة النقدية ويصبح جزءا من المراجع المتّصلة بالعمل موضوع الاهتمام. وما يميّز هذه الفقرات الوصفية والنقدية تركيزها عموما على المضامين في لغة لا تخلو بدورها من استعمال المجاز إضافة إلى ما يميّزها من تعميم لا يورّط القارئ حتّى وإن أعطى القارئ نظرة ضبابية على النصّ الشعري. ومن بين هذه الفقرات نذكر:
سوف عبيد في تقديم ديوان زهرة العبيدي “امرأة المواسم”: إنّ القصيدة في هذا الديوان ذات خصائص أساسية تتجلّى في طرافة المواضيع فهي ليست من الورد والبكاء وليست في شيء مما يسمّى بأدب النساء وإنما مواضيع زهرة العبيدي صادرة عن رهافة حسّ ودقيق ملاحظة ونفحة وجدان أمّا من حيث الأسلوب فإنّ معمار القصيدة لديها تبنيه بما قلّ ودلّ من الكلام فلا زيادة ولا نقصان وإنما القصائد كلّ كلمة فيها بحسبان..”
– من مقال عثمان بن طالب في شعر المولدي فرّوج: ” ترتحل النار مع ريح الوقت من ميثولوجية الأسطورة إلى منعطفات الأيام العربية، يحلق الطير مع هذا اللهب في خارطة القلب. و لكنها “الشمس تناست ليل الساهر ” والصحراء جليدية تتقاذفها المحن في ” بلاد الكفن ” تردد في الصقيع “ثغاء الشعوب” ولا تجد دموع السماء المجدبة لتبكي على “شمس الغروب”
– من تقديم ديوان نورة عبيد “بوابات على ديدان النسيان” لمحمّد البدوي: “تتردّد قصائد نورة عبيد بين منظومة من المواضيع تؤكد عمق وعي الشاعرة بذاتها والعالم رغم صغر سنّها، و قد يعود الأمر إلى أنّها تمرّست بالحياة باكرا فكانت “مريضة بالأيّام” وكان هذا الاختلاف عن قصائد أبناء جيلها…
– محمد الهادي الجزيري من تقديم ديوان فاطمة بن فضيلة “لماذا يخيفك عريي”: فاطمة بن فضيلة في هذه المجموعة تستظلّ به(الشعر) في قصائد وفقرات وجمل عديدة تلاحقه عارية وجامحة ككل موهبة حقيقية لا يستر كيانها المثخن بالأحزان والذكريات والأسئلة غير لغة رهيفة تلاحقه بعناد عاشقة ودهشة طفلة وجرأة شاعرة تدفعها رغبتها المجنونة في قول وجودها والعالم.”
– منجي الكعبي، من مقدّمة ديوان عمار العوني “فردوس الشعراء” : لكلّ شاعر عصره ومصره، وشاعرنا المرموق الآن عمّار العوني يوشك أن يجدّد لنا عهدا مع العربية المشرقة في دواوين شعرائنا الكبار وعهدا مع بحورنا الخليلية وغير الخليلية الغنيّة بالإيقاع… وقد أجريت قلمي في هذا التقديم بما أجرت به العربية تعابيرها من ألفاظ المبالغة و”أفعل” التفضيل: لأنّ المعنى فيها ليس للمطلق والكمال ، وهما من غير صفات المخلوقين.

خاتمة:
إنّ اعتمادنا مصطلح “القراءة العاشقة” بدل “الكتابة العاشقة” يترجم حريّة الكاتب في التعامل مع النصوص الشعرية لأنّ القراءة تشرّع للاختلاف في التأويل …
ولئن حفلت أمثال هذه القراءة باللغة المجازية فإنّ غايتها تتركّز على محاولة أسر القارئ من أجل شدّه إلى ما يراد منها… إنّها غاية دعائية حتّى وإن كانت شرعية أو مشروعة. وهذا الضرب من الكتابة قريب جدّا من نفوس الشعراء حتّى وإن كان لا يتقدّم بالنقد الأدبي ولا يضيف إليه شيئا كثيرا سوى المراهنة على هذه النصوص الجديدة. إنّ هذه القراءة ليست إلاّ نصّا على نصّ أو إبداعا على إبداع بالمفهوم الشائع وليس المفهوم الدقيق لهذه الكلمة.أولم يصبح القارئ اليوم مشاركا في العملية الإبداعية.
قد يرى البعض أنّ أبرز فضل لهذا النمط من الكتابة يتمثل في تنبيهنا إلى هذه النصوص الجديدة وما قد تحويه من إرهاصات شعرية تبشّر بميلاد جيل جديد من الشعراء. وهذا الفضل ليس هيّنا ولعلّه يفرض علينا تجديد طريقتنا في التعامل مع نصوص هذا الجيل المختلف. ولئن كان النقد المعياري عنوان المرحلة الماضية يسعى إلى التمييز بين الغثّ والسمين والجيّد والرديء، فقد تكون القراءة العاشقة بتواترها وانتشارها، تفتح مع الأيام سبيلا جديدا للتعامل مع الإبداع الجديد. يصبح فيها قارئ النصّ مشاركا وطرفا في العملية الإبداعية. ونرجو أن تساهم الأيام القادمة في بلورة خطاب نقدي يجمع بين ما يعرف بالنقد العلمي الأكاديمي والنقد الثقافي والقراءة الجامعة تطويرا للخطاب النقدي وخروجا به من دائرة المعيارية ليصبح فاعلا وأكثر انفتاحا على التجارب الشعرية الجديدة التي تحتاج إلى خطاب نقدي جديد بدوره.
محمّد البـدوي ،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق