شعر فصحى

أحمد طه حاجو

غرقى ويقتلنا الظمأ ٠٠٠٠قراءة في ديوان عبد السادة البصري

غرقى ويقتلنا الظمأ.. قصائد مغلفة بطابع الالتزام
احمد طه حاجو
يعتبر الكتاب الشعري “غرقى ويقتلنا الظمأ” وثيقة تاريخية واحتجاجية، لكن ضد من؟ فمن خلال العنوان يدل الكتاب على إثارة أسئلة فنحن غرقى بالخير والأموال والنفط وغيرها من الخيرات لكن يقتلنا الظمأ والعطش وأيضا غلاف الكتاب كان يطغى عليه اللون البني وهو لون التراب والطين وهو دلالة على الحالة التي يعبر عنها الكتاب من شجون ومرارة وصور لظهر رجل بهيئة ارض عطشى وقد تفطرت بسبب العطش وقلة الماء، فالعنوان كان ترجمة لما احتواه الكتاب من قصائد نثرية برغم إنها كانت متنوعة بين المضامين والأفكار لكن القارئ يشعر بروحية وأسلوب الشاعر البصري عبد السادة، حيث إن صوت الشاعر كان واحدا في كل القصائد متوحدا بالشجن حتى إن ثيمة الكتاب كانت الشجن والألم والأمنيات والتساؤلات لماذا؟ فالشاعر هو صوت ولسان مدينته ومعبرا عن حاجتها ورغباتها وطموحها، كما إن الشاعر عبد السادة البصري قد كان صوتا للبصرة فمن خلال قصائده جعلنا نشم رائحة الفاو وحناءها من خلال ما تضمنته قصائده من رموز لها اثر في ذاكرة القارئ، وإن القصائد برغم تنوعها إلا أنها كانت مفرطة في النقد للواقع ومشبعة بالرمزية المتوسطة فلغة القصائد كانت سهلة على القارئ لكنها تحيله من خلال دلالات تلك الرموز إلى صور أخرى، وبهذا يعيش القارئ سياحة فكرية لدى القراءة لأنه سيتنقل من خلال القراءة الى أروقة المقارنة والنقد والتساؤلات والتقييم وكلمة “لماذا” ستكون شاخصة أمامه، حيث المقارنة ستكون بين الصورة التي أحالنا إليها الشاعر وصورة الواقع الحالي وهنا تكمن روح النقد والإثارة الهادئة.
كما إن الكتاب تضمن توثيق فترة مهمة من تاريخ العراق وهي فترة الحصار الاقتصادي الذي عاشه العراقيون بمرارة وألم حيث انه انعكس بشعره مجسدا حالات الجوع والفقر وويلاتها ومعاناتها، وقد ناقشت إحدى القصائد موضوع الإيجار والذي شغل أغلبية الشعب العراقي وما زال يعاني منها البلد بسبب الفشل والفساد وسوء الإدارة.
وقد خص الشاعر في إحدى قصائده معاناة الراحل القاص محمود عبد لوهاب والذي يعتبر من القصاصين الرواد وأصحاب المنجزات التي يشار لها في العراق والوطن العربي، وكانت قصيدته مرثية للراحل ولتفاصيل حياته التي عاشها مؤخرا.
كما خصص الشاعر عبد السادة في منجزه هذا بعض المرثيات لشعراء بصريين غادرونا بصمت وهدوء وجاء الشاعر معربا عن حنينه لذكراهم وفاء منه لهم وللصداقة التي جمعتهم في يوم من الأيام، فمنهم الشاعر والإعلامي احمد المظفر والصحفي منتصر عبد الرزاق طاهر، وكان لذكرهم هنا نوع من العتب على الجميع الذين لا يذكرون مبدعيهم بحياتهم وأيضا بعد وفاتهم، فالموت الآن أصبح الفيصل حيث لا يذكر المتوفي برغم ما أنتجه وما بذله للإنسانية فمجرد إتيان لحظة وفاته ينسى ويندثر وكأنه شيء لم يكن.
احتوى الكتاب على عدد قليل من القصائد الوجدانية كانت قد تطرقت الى الحب بطريقة تحتسب للشاعر فلم تكن هناك جرأة أو ابتذال حيث كانت القصائد مغلفة بطابع الالتزام وتبرز بها الفكرة بصورة واعية وهادفة ، فالشاعر حمل على عاتقه رسالته الإنسانية مجسدا لها في “غرقى ويقتلنا الظمأ” أي إننا نلمس من خلال القراءة جدية الشاعر ومعاناته ومدى إحساسه واهتمامه بإبراز الصورة الشعرية التي ضمنها قصائده والحاوية لروحيته وأسلوبه كما إن من العناصر المهمة التي تضمنتها القصائد بصورة عامة هي الهدوء في التعامل مع المتغيرات وطريقة تناولها في القصائد فلم نر الحماسة والثورة على الواقع بل كان الاحتجاج الهادئ وإبراز المساوئ من خلال عرضها بتلميحات رمزية تثير وعي المتلقي بطريقة ذكية من اجل تنبيهه على ما حصل أو ما سيحصل إن استمر الحال كما هو، قد عرف الشاعر كيف يمسك القارئ ويسيطر على مشاعره من خلال استخدامه “الطريقة البرختية” الدرامية في التعامل مع المتلقي لأن شاعرنا قد درس المسرح وفنونه الدرامية حيث لم يسمح للقارئ بالاندماج بل جعله يقظا كي يفهم ويعي ما بين السطور، وكانت هذه التقنية سمة الكتاب من خلال التنوع في أفكار القصائد ومحتواها فقد عمل على زج العديد من القيم التي يحتاجها الواقع العراقي منها الإخلاص والحب والتسامح والشوق والحنين للماضي وجماله من خلال ذكر بعض الرموز الدلالية لمناطق معروفة وغيرها.
إن كتاب “غرقى ويقتلنا الظمأ” تجربة واعية تحتسب للشاعر على الكيفية التي سارت بها عملية الكتابة للقصائد، فالكتاب احتوى على قصائد قصيرة وهو ما يحبب القارئ فيها وبرغم قصرها لكنها كانت غزيرة في المحتوى الفكري والجمالي، أي إنها قد أوصلت رسالتها بيسر وعفوية الى مختلف أنواع القراء فلم تكن نخبوية أو محتوية للرموز العميقة أو السريالية التي يصعب فهمها من قبل البسطاء فالسهل الممتنع كان أسلوبها مع احتوائها على البلاغة في الفكرة وطريقة التناول والذي يحتوي على الإيقاع الهادئ كما أسلفنا.
كما إن عملية المعالجة الشعرية وعملية الطرح كانت عبارة عن وخزات للفكر الجمعي العراقي بسبب سكوته زمنا طويلا وبفعل هذا السكوت وصل الحال إلى ما هو عليه لكن هذه الوخزات لم تكن قاسية في الطرح بل كانت بلغة عتب هادئة حيث حافظ الشاعر على إحساس قرائه وذوقهم وتعمد عدم إثارتهم أو أثاره مشاعرهم أو شجونهم بطرية قاسية، وهذه الطريقة تحتسب للشاعر.
لقد احتوى الكتاب على نقد للواقع السياسي في ظل النظام السابق من خلال ذكر الويلات التي عاشها العراقيون “فالشهداء والحصار والجوع والمواطن ” أي إن ذكر هذه الحالات قد يأخذ المتلقي إلى البحث والغور في التفكير في المسبب الأساس لما حصل وقد يصل المتلقي الواعي إلى رأس الهرم ويندد بمنهجه أو قد يحرض عليه بالرفض لسياسته أو التزام الصمت إلى آخره من الخيارات والتي تكون بحسب مقدار وعي المتلقي وثقافته.
إن الشاعر في هذا الكتاب قد حمل مسؤولية الناطق باسم شعب فخطابه كان ناصحا تارة ومواسيا تارة أخرى ومنتقدا مرة ومحتجا مرات، أي إننا لم نرغزلية الشعراء ونرجسيتهم في دواوينهم الخاص

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق