شعر فصحى

ريتا الحكيم

قبلة الموت الاولى

ح

المَجدُ لقُبلةِ الموتِ الأولى

لا أكتبُ الشِّعرَ إلَّا عَنِ المُدنِ التي دمَّرتها الحربُ على جسدِكَ.
أجرُّ أذيالَ عجزي عن تسلُّقِ أسوارِها وأمزِّقُ أوراقي كلَّما مددتُ لكَ يدي لأُدرِجَ فيها خاتمةً تليقُ بحزنٍ جمعَنا على مدى عقودٍ.
يرفرفُ الخوفُ اللئيمُ بجناحَيهِ ويلتصقُ بنا كتُهمةٍ حاكَتْها الأيَّامُ معطفًا لكلينا.
العمرُ شهقةٌ على مقاسِ موتٍ
يفي بنذورهِ
ويندسُّ تحتَ جلدِنا

أعبرُكَ مُثقَلةً بعُقمي
وأتركُ مهمَّةَ الأمومةِ لجيلٍ آخَرَ مِنَ النِّساءِ
تتفتَّحُ غاباتُ القهرِ على خَصري
وأصرخُ في وجهِ العالمِ:
أنا من سلالةٍ تُتقنُ طهيَ الأحزانِ..
تَرشُّها بالمُطيِّباتِ والتَّوابلِ الحارَّةِ
لهذا السَّبب أعانقُ الفراغَ بين موتٍ وموت
وألثم وجَناتِ الحزنِ بين دمعةٍ ودمعة

أقصُّ ألسنةَ الحياةِ السَّليطةَ
فينزفُ الحزنُ دمَهُ على أصابِعي
أضمُّه إلى صدري
أضمِّدُ جُروحَهُ
وأتحسَّسُ ندوبَ ذاكرتِهِ
يهوي النَّحيبُ في الوقتِ الضَّائعِ بين حشرجَتينِ
يُبلِّلُ وسائدَ الوَسَنِ
فأجثو على ركبتيَّ وأردِّدُ في سرِّي:
أما آن الأوان..
أما آن الأوان!

المَجدُ لقُبلةِ الموتِ الأولى..
للأكفانِ..
للتُّرابِ..
للعوسجِ..
لأكاليلِ الشَّوكِ..
المَجدُ.. كلُّ المَجدِ للَّذين اتُّهِموا بالحياةِ زورًا
وارتدوا قناعَ الموتِ في حفلاتِها التنكُّريةِ

ريتا الحكيم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق