الثقافةشعر فصحى

فتحي عبد السميع

مصر فتحي

وجه في الكوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحي عبد السميع

أريدُ أنْ أموتَ شيخا مخرِّفا
بتجاعيدَ تَهتَزُّ كالنهودِ الذابِلَةِ
على وَقْعِ عُكَّازِه .

أشْرَبُ في كوبٍ مِنَ الصاج
كي أتملَّى وجْهِي
وهو يَسطَعُ في قَعْرِ الكوب.

يُكلِّمونَني عن الأسعار
فأكلِّمُهم عن خاتمٍ ضاعَ مِنِّي
يكلِّمونِني عن ظُلْمِ الحكومةِ
فأخبرُهم كيفَ عَثَروا على السَّمْكَريّ الوحيد
بعْدَ أيامٍ مِن موتِه .

أقْصِدُ المستشْفَي
لأُغازِلَ المُمَرِّضَات
وأشتُمَ الجزَّارين .

وحيدا بِلا وَرَثةٍ
يُجبِرونَني على الكلامِ حين أصمتُ
وعلى الصمتِ حين أتكلَّمُ .

أجْمَعُ الجيرانَ مُستغِيثا
مِن نارٍ هَبَّتْ في بيتِنا
عندما كنتُ طِفلا يلعبُ بالكبريت .

أصرخُ كي يَنتبِهَ صديقٌ
دَهَسَته سيارة
ونحْنُ عائدونَ مِن الكُتَّاب .

أمُدُّ حَصيرتي أمامَ بيتي
ولا يُجالِسُني إلا الأطفالُ
والموتَى الحقيقيون .

مُتظاهِرا بالبأْسِ
أرْفَعُ عُكَّازي المرتَعِشّ.
لأتْفَهِ الأسباب
أعارِكُ المارَّةَ مُحتمِيَا بتجاعيدي.
لا أهينُ أحدا حين أشتمه
أنتقِمُ مِن آخرين
فاتَني شَتْمُهم في شبابي
أرْبِكُ الجميعَ
سعيدا بأيادِيهم
وهي لا تأخذُ فَمِي مأْخَذَ الجِدِّ
وكأنها تَدري أنني لا أشتم
بل أودِّعُ الحياة .

أُضَحِّي بأوجاعِ الشيخوخةِ
أُضَحِّي بأمنيةٍ الموتِ مبكِّرا
أُضَحِّي باكتشافِ جُثَّتي بعْدَ أيام
أُضَحِّي بأشياءَ كثيرةٍ
مِن أجْلِ أن أعيشَ شيخا مخرِّفا
ولوْ لِيَوْمَيْن
لِيَوْمَيْنِ لا أكثر
بذاكرةٍ مثقوبة
تَسقُطُ مِنها كلُّ الوجوه
ولا تَظهَرُ أبدا
في قَعْرِ كوبٍ مِنَ الصاج
أرفعُهُ إلى فَمِي وأشرب .

أرى وجْهِي بأكملِه
أراهُ مَرةً وأموت .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق