شعر فصحى

سلام حلوم / سوريا

فسيفساء

(فسيفساء الغربة )

إنّك لا تمضي
فما تزالُ تحاذيك عصافير مُدمّاة على السّياج
وسروٌ ، ما قال: أحمل عنه هذي الانحناءات حتى آخري،
وظلالٍ أنت ربّيتها كلُّ شبرٍ بسروةٍ ،
ما تعنّت وألقت بعضاً من هوامشها عليك
وندىً ، أنت شاتلُ قمصانه في أقاصيك
ما تنقّط على لسانك الخشن ،

إنّك لا تمضي ،
تُعدَّان
هي ، مساميرَ من ذهبٍ
وأنت ، قفزك الرشيقَ
هي ، ستائر من غبار وأنت ، النوافذَ
أنت ، لدانةَ الأخضرِ وهي ، مقصات البَرَد
أنتَ، النزهاتِ، وهي ، حدائقَ واقفةً ، هكذا، مكتوفة الشّجر
أنت، الملامحَ لها، وهي، الطفوَ كورقٍ متّسخ بالأبيض، على مراياك

إنّك لا تمضي
فمن يغادِرُ ، لا يباطِىء في العشبِ ،
لا يساعدُ نحلاً على بنفسج
لا يعصر عيدان شوكها على ظهره المرقّع بالطعنات
لا يتناعسُ عند أول مفرقٍ
لا يتأبّطُ خبزاً ،
لا يسائل عن جرار في التخوم
لا يقلّدُ بالصفير مغازلة القصب
لا يصغي لقلبه الحسيرِ كخزانةٍ مخلّعة .

كم لا تبتعدُ ؟
فكلّما ناغى لك الحنين
تقنطر بين عينيك بكاءٌ ناشفٌ، يسودُّ فوق زفير قديم
ولأنّ الحصى فاكهة الرحيلِ لم تحملْ سلالاً، وسَّعتَ ما بين الضلوع، وأسكنتَ ما تبقى لك من هوائها الفاخر،
ولأنّك شبهُ مائتٍ من البرد
تذكرُ، وأنت تجتاز الزمهرير، كيف خلعتَ عليها فروكَ النبيل

كم لا تبتعدُ ،
فما تزال تحدّد من بعيدكَ الشرفات التي تسهرُ
وتلك التي تُناولها الصبحَ ،
وتعرفُ من أين تدخل الجهات إلى مطارحها ؟
وكم لَعباً بينك الآن وبين تفاصيلها ؟
وفي حضن أيّ الجبال تخبىء الأقمارُ أهلّتها ؟
ودون أن تمرّ على الصدغ سبابتُك
تحدّد بيت الحبيبة

إنّك لا تمضي
فحين تُطعم الحمام المرافق كلَّ قمحكِ
فأيةُ مسافةٍ ستقطعها ؟
وحين تلتقط بأهدابك النيازك
حتى لا تخدش وجهها
بأيّة أصابع ستحفن رمل ذكرياتها ؟
وهل سيزيد على غصّاتها الغناء
حتى على مَسْمعٍ من ثعالبها ، ترندح ؟
وحين تنسى أنّك مصابٌ باللغة ومفرطٌ بالصمت
بماذا تدمدم وأنت ترفع ذيول أثوابها
عن بُرَك الحبر .؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق