شعر فصحى
سراج الدين الورفلي. /ليبيا
لا أستطيع قراءة نصوصي مرتين
فذلك يصيبني بالغثيان والإحباط
ولإن ”الشعر فضيحة ” ، أحببته
/
أحببت طريقته في التبول والشتم
والمشي حافياً فوق ظلال الآخرين ، كمهرجين السرك
أحببت ضحكته العالية ، العاهرة ، والمستفزة
وأحببت حقده ، وقدرته الهائلة على كسر كل المرايا
التي تعكس الآخرين ، بما فيها ، أنا
/
أنا الطفل الخجول ،
علمني الشعر كيف أقتل وأسرق
وأكذب ،
كان مبهراً ،
وكنت أتبعه أينما ذهب
أنا الطفل الخجول ،
علمني الشعر كيف أرفع من شأن هزائمي
كيف أصادق أعدائي ،
وكيف أخفي جثثهم تحت جلود ذاكرتي
أنا الطفل الخجول ،
تعلمت الحب في البرية ،
ورجعت إلى المدينة رجلاً بدائياً ومتوحشاً
بلا أخلاق أو دين ،
ولكن الأهم كما أظن ،
كنت دائماً طازجاً ،
كموجة محطمة ،
أو ليمونة مقتولة .
/
فشلت في كل شيء تقريباً ،
لكن أهم فشلي على الإطلاق هو فشلي في الشعر ،
لذلك أحببته
/
علمني الشعر كيف أحب وبلادي مرمية كجيفة للكلاب ،
كيف أعشق ومدينتي تحتضر واضعة رأسها على ركبتي
علمني دائماً كيف أقول لا ،
وأنا في أشد الحاجة ليد إلاهية تنتشلني من دماري
كان الشعر سلاحي ومروحتي ،
يوم ميلاد شياطيني ، وساعة دفن أبي ،
كان الشعر تافهاً بما يكفي لينال إحترامي ،
جمع حولي الحرائق والفيضانات ،
كان الشعر العائق الوحيد والسبيل الوحيد
لقد صادقت الغانيات والأنبياء
أحببت أسماء الكواكب وعطور النهود ،
رافقت الشوارع والأصداف البحرية ،
عثرت على قلوب تنبض داخل الجثث ،
تعرفت على ألوان الطيور ولهجات الأشجار ،
نمت مع المرتزقة ونشطاء السلام ،
تقاسمت مع المجاعات والزلازل الأيام المجيدة ،
كان الشعر حاضراً في كل المواعيد التي تخليت عنها ،
كان الشعر قد علمني الخوف والتعرق والرغبة الدائمة في الهرب والركض بلاوجهة في أدغال العالم
كان الشعر قد علمني كيف أموت واقفاً بلا معنى كراية ترفرف فوق بلاد مهزومة
كان الشعر معلمي الأمي الذي علمني لسنوات فن المحو قبل أن يغمض عينيه
ويغمس إصبعه في سواد قلبي
ويكتب جملته الأولى والأخيرة :
أنا بدأت من النهاية !