?
على سيرةِ الكتابةِ،
فأنا لا أعرفُ لماذا أكتب.
أكتبُ أحياناً منْ أجلِ لا شيء
وأحياناً أكتبُ منْ أجلِ أنْ أجلبَ السّعادةَ
لكلِّ تلكَ الأشياءِ الرديئةِ الّتي مرّتْ في حياتي.
أكتبُ، أحياناً،
منْ أجلِ امرأةٍ وحيدةٍ فاتَها أن تنتظرني
في تلكَ اللّيلة من ليالي أبريل على بابِ اللّيلِ.
وأحياناً أكتبُ منْ أجلِ كلِّ النّساءِ اللّواتي يرتعشنَ
تحتَ قمرِ الصّيف في انتظارِ فتاهنَّ العاشق.
أو ربّما أكتبُ،
كي أضعَ فاصلة لازمة في جملةٍ طويلةٍ
عن (خطَرِ النّساء).
أحياناً أكتبُ،
منْ فرطِ الضّجر وأحياناً من فرط اللّادِعَة.
وأحياناً أكتبُ انتصاراً للكتابة والّتي لا نصير لها،
في النهايةِ، سوى الموت والألم.
لا أعرفُ لماذا أكتبُ.
أكتبُ، لأنّي ربّما أشعرُ برغبةِ تامّةِ بالبكاء.
وأحياناً أكتبُ لأنّي منذ زمنٍ بعيدٍ وأنا أضعُ
شروطاً قاسيةً في طريقِ الدّموع.
أكتبُ، أحياناً،
من شدّةِ الكسلِ وأحياناً من لوعةِ الحنين.
وأحياناً، أكتبُ لأنّه لا بديل عن الكتابة. أو لأنّ الكتابةَ
هي الأرض الصّلبة الوحيدة في العالَم الّتي تجعل منّي كائناً فرحاً يستطيع أن يُحدّد في كلّ هذا اللّيل نجمة الأمل البعيدة، فأبتسم.
لا أعرف لماذا أكتبُ.
أكتبُ، أحياناً، لأنّي نادمٌ على كلّ شيء.
وأحياناً لأنّي لا أجدُ ما يستحقُّ أن أندمَ عليه في هذه اللّاشيئيّةِ الّتي تعمّمُ خصوصيّتي في الحياةِ ككائن،
فأكتب.
لا أعرفُ لماذا أكتبُ،
رغم أنّي منتشِرٌ في كلِّ هذا البياضِ
الّذي ينثالُ منّي على الورق. أُنهي جملةً في منتصفِ القولِ كي لا أسقطَ في اليقينِ. أعبثُ بالأشكالِ والأيّامِ والحوادثِ كي لا أدَعَ حجَّةً للموتِ وهو يتلصّصُ على حياتِنا من شقَِ الباب.
لا أعرفُ لماذا أكتبُ.
كلّ ما أعرفه حقيقةً أنّي أنامُ وأصحو
وبي رغباتٌ لا تنتهي في تقطيرِ أيّامي على نحوٍ جريء.
ما أعرفُه أنّ حياتي كلّها
قائمةٌ على تصريفِ الكلماتِ على أنّها شكلٌ
من أشكالِ الحياة أو شكلٌ من أشكالِ اللَّعِب وأنّي منتشِرٌ فيها وفي أشراكِها نأتلفُ ونختلفُ ونتحاورُ ونتشاجرُ.. أكتبها وأمحوها فتكتبني وتمحوني وتُوسِّعُ من حفرةِ انهدامي ونحولي فأتعلّقُ بها على أنّها خيوطُ المصير.
أن أعرف لماذا أكتبُ خديعةٌ كبرى.
وأنا أغبط كلّ هؤلاء الّذينَ يعرفونَ لماذا يكتبونُ،
فهم، حقّاً، يكتبون أشياءً جميلةً وهائلةً ومجنونةً تدهشُني ولكنّها لا تعنيني في شيء. ولهذا من عادتي أن لا أصدّقَ كلَّ ما يقولُهُ هؤلاء الّذينَ تورّطوا في الخديعة لأنّهم، بالعادةِ، يكتبون عن كلّ تلك الأشياء الّتي تضعُ الكتابةَ في خانةِ اللّاكتابة.
أغبط هؤلاء،
على هائل ما يكتبون ولا أغبطهم في شيء
على مصيري وموتي.
الكتابةُ أرض مفاجئة.
لا تعرف الوقت،
رغم أنّها تعيد الأزمنة إلى مكانها الطّبيعي
مثلما تعيد الأمكنة إلى زمانها المُؤْتَلِق،
ولا تعرف الجهات،
رغم أنّها تقبض على الجهات كلّها
وتقشّر الحنينَ العالق على رمّانة اللّيل وقمصان الهواء،
ولا تعرف دورة الفصول،
رغم أنّها وحدها من يُهيّء الحقول والفصول
لأسراب الفراشات وتُنْبِئ الينابيع والأنهار بموعد الأمطار والغيومِ والشّجر.
لا أعرفُ لماذا أكتبُ.
ولو كنتُ أعرفُ لماذا أكتبُ،
لَما كتبتُ.
?