الثقافةفعاليات ثقافية

جاسم العلي

ومض الأجنحة
شعر : جاسم العلي
كتابة : عبد الصاحب محمد البطيحي
كتاب يحتوي على واحد وتسعين نصاً شعرياً ، تتفاوت في الطول ، يكشف العنوان ” ومض الأجنحة ” على رغبة الشاعر بأن يمهد للقارئ فسحة مطالعة دفقات من عالم هو مزيج من الحقيقة والخيال مخضب بعطر الطموح والآمال ، يصارع الخيبات بدفء المشاعر النبيلة . الومض هو السرعة الخاطفة ، يأتي على اجنحة الخيال ، تلك التي تخفق ، تلك التي تهب الأفكار والأحاسيس من دون عنف ، فهي تخلق اجواء الدعّة والارتياح من جهة ، ومن جهة اخرى تكشف للقارئ مسارب الحياة ، بكل ما فيها من وضوح أو تعقيد .
ليس من الضروري ان تكون النصوص تعبيراً عن الذات بصورة مطلقة أو نقلاً للمشاعر والتجارب الشخصية ، بمعنى أن الأثر الأدبي ليس محض تجسيد للتجربة حسب، فقد يكون قناعاً أو صورة من الحياة التي يريد الأديب أن يهرب من اجوائها ، كل هذا هو بالتأكيد ما يريد العنوان ان يوحي به الينا فهو يحملنا على ان نستعين بأجنحة هي ذاتها التي استعارها الشاعر . اذن شاعرنا ليس من مهمته التحليق في اجواء اللامعنى والاكتفاء بوقع الكلمات ، فهو استعار قناعاً، وهو حامل رسالة تحقق متعةً للكاتب ومثلها للقارئ ، تكمن في مضمونها اهدافٌ نبيلةٌ ، ولعمري هذا هو النهج الصحيح .
قراءة نماذج من النصوص
النص الأول صفحة (11)
منذ الوهلة الأولى يطالعنا أول نص عنوانه : ” نهايات ” صيغت في الفقرة الأولى منه ، بأسلوب شعري ، حكاية تتسم بها العلاقات البشرية المجتمعية ، تظهر في العادة في كل مكان وزمان ، عند التأويل نرى الشاعر يصوغ كلماته مستوحياً واقعاً ملموساً يواجهه كل يوم ، فهو هنا شاهد وراوٍ ،وكذلك متفاعل يتحسس نتائج التأثير . يسمع ما يدور حوله ، يرمز الى ذلك ب ” الشارع الممتد ” الذي يسمع ” همس الروح .. لا صوت الكلمات “، يتم ذلك بوسيلة أنسنة الجماد ونعني به الشارع الذي يمثل هنا مكان الأحداث التي تضيق بها الأنفاس ، معبراً عن ذلك الضيق ب “الجدران ” ، يعاكس ذلك ” رواق ” الجنرال بكل ما يوحي به من أناقة ونظام .
تتشكل صورة المكان القاتمة الذهنية تلك برديفها زمان يرتسم عبر الكلمات ،تنعدم فيه الأنساق ، فهو زمن ” فوضى الأنفاس” حيث لا حرية لرأي نبيل ،و لا حرية لعمل مثمر بناء ، تسوده : لك أن تسمع وترى ، لكن عليك أن لا تنطق بما تراه .
تتمثل السلطة الفوقية بالشخصية المتخيلة ل “الجنرال” الذي اعتاد ان تكون أقواله أوامراً ، كما اعتاد أيضاً ان يتلبس لباس الزهو والغطرسة وأن يطرب عندما يسمع المدائح تنهال عليه دونما تبصر ، يصدح بها متزلفون يشير لهم الشاعر ب ” الباعة ” وصوتهم الذي يتسلل بجوار رواقه . وللمتزلفين ،دائماً ،دور سلبي مؤثر في حركة المجتمع بما يجيدونه من طقوس الخضوع والتملق .
النص :
“صوت الباعة في أذن الكلمات / يتسلل /بجوار رواق الجنرال / الموهوم بفطنته / ينهي وصلته بالتصفيق / لها .. وله / فتسحب خطاها /خارج فضاء الفوضى / فوضى الأنفاس / وشبق النظرات / لتراكيب الألوان على اجساد / مهزومة / بين الجدران / والشارع ممتد كألسنة / بقايا ليل الغثيان / يسمع / همس الروح / لا صوت الكلمات .”

النص (2) صفحة( 29 )
يطالعنا النص بعنوان : ” بغداديات ” ، كلمة واحدة تكمن فيها دلالات عديدة ، توحي اولاً باهتمام الشاعر بالمكان الذي يساهم في تكوين مزيج المشاعر التي تعتلج في صدر الشاعر ،والمكان هنا لا يشير الى مدينة محصورة في مساحة صغيرة حسب بقدر ما يتمثل بمساحة اوسع ، هي الوطن الذي يمكن ان يتسع ليشمل العالم ، من هنا يغلف العنوان مشاعراً تلتصق بالمحلية والعالمية .
اعتمد الشاعر صيغة المتكلم قناعاً يعبر من خلاله عن خاص وعام ،الخاص منه يظهر مدى مصداقية المشاعر الفردية التي يتخللها المتن ، والعام هو الاشارة الى ان المتكلم هو ذلك الجمع من الناس الذين يحملون اتجاها فكريا رافضا لواقع رديء ملموس ، اذن هو هنا خطاب تحريضي يكشف زيف واقع معاش . الناس تتعلق حباً بالوطن ، ترنو اليه ” كنجمة في الأقاصي البعيدة ” ، والجمال والشروق وتفتح الأمل عوامل جذب
” أنت تسبحين
بندى الفجر
والغبش يشدني
لصدرك المسك
عطر أماسي . ”
غير ان الوطن يعيش في زمن متهاوٍ ،مما يربك الحركة الرشيقة المنتجة ، تحل محلها قفزات مرتبكة ، غير واعية :
” أرقص رقصة
قلب تملكه زمان الوهن .”
والرفض عام
” فكل المداخل مثلي
تبحث عن وطن .”
تكثر الرزايا وتثقل الهمومُ القلوبَ فيستجير الناس
” ما الذي أحكيه
والهموم كثار
مثل القفار .”
ويظل سؤال حائر ينتظر الجواب ، معبراً بذلك عن حالة القنوط في الظاهر وفي الجوهر دعوة للتغيير
” أيوجد في قفارك
واحة للتمني ؟ ”
النص : يغداديات
“أرنو اليكِ / كنجمة في الأقاصي / البعيدة / وأنت تسبحين / بندى الفجر / والغبش يشدني / لصدرك المسك / عطر أماسي / سأبدأ / فيك نهايتي / رقصتي / أرقص رقصة / قلب تملكه زمان الوهن / فكل المداخل مثلي / تبحث عن وطن / ما الذي أحكيه / والهموم كثار / مثل القفار / ولكن / أيوجد في قفارك / واحة للتمني ؟ ”
النص ( 81) صفحة (92 )
في هذا النص ” آية ” تتجلى رسالة الشاعر التي حرص على توصيلها الى المتلقي من خلال بث لواعج النفس عبر العديد من النصوص التي اشتمل عليها الكتاب . هنا يهب دفقة تحفيز لجمهوره الذي يخاطبه ويطلب منه أن يكون جديرا بالتزام مهمته ، وأن لا يستهين بقدراته ، بل يحتفظ بالصمود ، ويستهجن الخذلان امام المغريات ، مستصحبا ذلك مشاعر الثقة بالنفس والقدرة على تحقيق الطموح ، فاستعار من الشجرة دوام بقائها ، وشموخها منتصبة تطالع السماء : ” قف باسقاً تحتضن السماء ” ، ويكمل الخطاب بقوله :عندئذٍ ستمتلك الوسيلة لإيصال دعوات الفقراء .
النص :
قف باسقاً تحتضن / السماء / وعرج على كوكب / الرب تتلو / آية الفقراء
اخيرا، برع الشاعر بتقديم نصوص رائعة جديرة بالقراءة ، ولا يعني الاكتفاء بقراءة ثلاثة نصوص الا لضيق المجال .

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق