مدار الحيوان
—————–
كنت سادرا في زنقة عشوائية من رصيف المدينة تحت خلاء مربع مسقوف،
محفوفا بأحزمة ناسفة رضعوا البارود من أعين أمهات “محگورات” صابرات
وخصّبته مساجد قصديرية على حافة الله والعالَم.
مدينة رأسقدمية مصابة بكساح هندسي
رصيفها يفوق بكثير ثقالة مركزها
فتبدو مثل اخطبوط مبطون بأرجل شائهة مبتورة المجسات
يعوم في هلام من سبع عشرة طابقا أو يزيد
انتفاخ في السطح وارجل تترسب في قرار غير مكين .
كنت سادرا حين وجدتني عالقا في رِجْل ما.
فتلبس بي الحيوان وتغلغل في مفاصلي وعظامي
التي لولا حليب أمي المعصور من نور عينيها لأصابتني الهشاشة وتدحرجت في ظلمات
لن أنجو منها سوى بمفاتيح خفاشية عالية الجحيم.
ربيت الحيوان أحسن تربية وأغدقت عليه بالقصائد الجاهلية والروايات السادية والمسرحيات التراجيدية
ومنعته من المؤلفات الوردية والخضراء والبوليسية
ليصير بأنياب بليغة الجرس ومخالب ناقعة السمية
وأنفاس جرثومية الهرتزات.
لكنه وزر جبار هتوك على رجل اخطبوط كسيح
يموج ببطن محشوة بخردة بشرية
كان مزاجها قوادون ومومسات لسن عمياوات
و سماسرة الدقيق الأسود والمال الأبيض ونفايات المدارس العمومية
وخريجي التداوي بالأعشاب والرقية الشرعية.
معجزة أن أبقى بكامل المناعة
سليمَ الحيوان
سأبقى هنا إعاقة لصيقة في جسدها متشعبطا بأهذاب جلدها
أبدد جيبَها المدادَ
وأقطف خلاياها الملونة
فلا تختفي
بلا هوادة انغزها وأضخ في عصبها أمصال الحيوان لتفدفد و تتوثب وتقفز وتصحو.
زنقتي جنتي
سأحفر قبري فيها بأنيابي
كي لا يلمع حفار قبور تاريخه بي
في مأدبة الغربان ومرتزقة الجنازات.