غيوم عند الحاجز الأخير
عيسى الشيخ حسن
(1)
حين صنع البدويّ ربابته
أعطاه حصانٌ أصيل
شعرةً من ذيله
وأوصت غزالةٌ مغدورة
أن يمنحوه جلدها
في الطريق إلى الأغنية
قالت له الشجرة خذ غصنًا
*
هذه هي الربابة
حصان وغزالة وشجرة
عندما يغنّي جبار عگار
“بيدي لأدهج البولاد”
فاعلم أن حصانًا يركض أمامه
وعندما يغنّي:
“يا ذيب ليش تعوي”
فاعلم أن الغزالة تحتجّ
وأن جلدها “يكشّ” في حضرة الغناء
.
ولكن
عندما يقول “هلي”
فاعلم أنّ كلّ أشجار العالم
تبكي.
——————————
(2)
الذئاب الدرداء تعوي أيضًا
في بطن الجبل أسمعها
قبل الشتاء بقليل
قبل الليل بقليل
تهبط بهدوء
تدرّس الأمل للذئاب الناشئة
.
الذئاب الحكيمة
قبل الشتاء بقليل
تعلّم ناشئة الذئاب
أنّ الجوع والشتاء
عينا الذئب نحو الفريسة
.
مثل ذيل حصان
تتأفّف الغيوم
مثل حصاة في البحيرة
تقع الفريسة
هكذا يقول الذئب العجوز في درس الإملاء
حين يعوي
باحثًا عن ممحاة
ينظّف بها أثر المجزرة
.
الذئاب الدرداء
بصوتها المتقن
علّمت جيلًا كاملًا
أن العشب سبورة خضراء
كتبنا فوقها طرائد سهلة
دون أخطاء
_______________________________
(3)
ثمّة قوس آخر البيت
ثمة طرائد آخر الليل
.
من ثلاث طرائد
يمكن أن يمرّ سهمٌ واحد
(هكذا رسمت على الورقة)
.
من جرح واحد
يمكن أن تمرّ ألف أغنية
(هكذا صرخت)
.
حين تختار القصيدة
اكسر سهمك
ومرّر أصابعك على الوتر
كل الظباء
ستمرّ من ذلك الليل.
________________________________
(4)
عمّا قليل
سينحسر الماء
عن يابسةٍ جديدة
لم تعرف دمًا
ستحتمل أقدامنا العارية
البرد والطين والحصا
.
بعد سنة
ستنبت شجيرة كوسا
بعد سنتين
ستلد أولى الماعز جديًا
بعد ثلاث
سنزوّج أكبر الأولاد من كبرى البنات
بعد أربع
سنقف أوّل الربيع
لنتذكّر أهلنا
أهلنا الذين غرقوا في الحرب
.
عمّا قليل
سنترك المجاذيف من أيادينا
ونطلق دوابّنا في البريّة
ونهتف بصوتٍ كسير
“لقد وصلنا”.
___________________________
(5)
العابرون
علامات تعجب
كان هذا
قبل أن ترحل الدهشة
من هذا العالم
.
والآن
علامات التعجب
في نصوصي القصيرة
أطفال مسلولون
برؤوس كبيرة
.
أفعل هذا
بعدما امتلأت الساحات
برؤوس مقطوعة
طالما حملها العابرون
فوق أكتافهم
في ذلك الزمن
حين كنّا نصرخ ” يا الله”
كلّما مرّ رجل غريب