الثقافةشعر فصحى

سالم شبانة

مصر

أغنيةُ المحاربِ القديمةُ

أغنيةٌ مرحةٌ

لستُ بريئًا، أيّها اللزجون، لم أُرِدْ يومًا أن أكون رجلاً أنيقًا، فاترًا، متحضرًا. كنت أرجو أن أكون قويًّا, همجيًّا؛ أجرعُ الخمرَ، بلا مبالاةِ أغرسُ خنجري في صدرِ كلِّ مَن ينظرُ في عينيّ بلا تأنيبِ الضميرِ.
أتصارعُ مع الكلابِ في الخلاءِ ثمَّ أنامُ نومًا عميقًا تحت الشجرةِ بعينِ ثعلبٍ ماكرةٍ، أركلُ الحُبَّ بقدميّ، كبقايا عظامٍ نَخرةٍ، أصغي لعواءِ الذئبِ، وأبكي لأنّني لم أُخلقْ ذئبًا يعوي في الليلِ.
ما جدوى أن تنتقي كلماتكَ وتلوي عنقَها لتقولَ ما لم تُردْ قولَهُ صراحةً. أكرَهُ هذا العالمَ، وأكرهُ الآخرين وأكرهُني حين أكونُ مهذبًا؛ تفيضُ أصابعي عطفًا لزجًا، كلعابِ دبٍّ جائعٍ.
أريدُ أن أركضَ حافيًا علي الشاطئِ فوق الصخورِ المدبّبةِ الناعمةِ كجسدِ أنثويٍّ، ألتهمُ الطعامَ بأصابعي القاسيةِ، فارغًا من الحبَّ المُللَّ كالصداعِ، من ثقلِ الآخرين شبيهُ الإثمَ.
أجلسُ علي الصخرةِ وحيدًا، ممتلئًا بي، بقوتي الواثقةِ كحجرٍ، أحصى غرائزي بلا خجلٍ، وأغنّي بصوتٍ أجشٍّ أغنيةً مرحةً عن رجلٍ يلوي عنقَ الكلماتِ بتملقٍ، وهو يجرُّ جسدَهُ الهزيلَ في مكبِ نفايةِ العالمِ الهائلِ حتى يراهُ الآخرون مهذبًا، كرجلٍ متحضرٍ..

المحاربُ الهمجيُّ

أفكّرُ في قتلٍ يخلّصُنا جميعًا، أيّتها الكائناتُ اللزجةُ كالمستنقعِ الآسنِ، أريدُ أنْ أقتلَ الحبَّ بساديّةٍ، ويرفرفْ كديكٍ مذبوحٍ؛ هذا الأنانيُّ، الطماعُ.
سأطعنُ هذا القلبَ المعتوهَ، وأسلخُ جلدي بوحشيةِ طقسٍ وثنيٍّ، أعيشُ بذاكرةِ معطوبةٍ؛ كلَّما رأيتكِ سألتُ: مَن أنتِ! أعصرُ رئتيَّ بيديَّ؛ لأتدرّبَ على شهقةِ الخلاصِ، أغنّي تحتَ المطرِ، وأصرخَ في وجهِكِ: أكرهُكِ؛ لأنّني أتهافتُ في حبِّكِ كنملةٍ أمامَ حذاءِ جنديٍّ.
أقتلُكِ، وأصنعُ من قلبِكِ قيثارةً، وصندوقَ ذكرياتي القديمةِ؛ كما قتلَ شاعرٌ حبيبتَهُ وجلسَ يبكي، غيرَ أنّني سأحسُّ أخيرًا بمتعةِ الخلاصِ. أفكّر في القتلِ كقاطعِ طريقٍ ينتظرُ صيدَهُ وينامُ مرتاحًا بلا رفةِ جفنٍ.
أجرُّ الحياةَ من رمشِها وأنتِ مرعوبةٌ، من هوسي المُسكِرِ ويكون دمُكِ دافئًا؛ ذلك الذي احتلَ جسدي كجيشٍ همجيٍّ، وفصّدَ مخيلتي كقطعةٍ فاكهةٍ معطوبةٍ.
سأجلسُ علي المقهى كمحاربٍ همجيٍّ أتابعُ فرائسي مبهورًا بأسلحتي، أمسّدُ لحيتي في شرودٍ، ودرعي يلمعُ تحت الشمسِ الغاربةِ.

سالم الشبانه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق