الثقافةشعر فصحى

فهمي صالح

العراق

أَمَامَهُ اِكْتَشَفْتُ الْجِنَازَاتِ

فهمي الصالح / شاعر عراقي

مُغادِراً طُرُقي الوضِيعةَ كالجِنازاتِ
أَتلَفَّتُ خلفِي كلصٍّ عائِدٍ إِلى كَهَفِ سَعادِةٍ جرِيحةٍ
لا زُوَّادةَ أَحمِلُها خلْفَ ظهري ولا أَحلامَ لي بطَعامٍ دَسِمٍ
أَدخُلُ خَلْوةَ الصُّوفيّ المُحنَّطِ بغشاءاتِ سَحيقةِ المعاني
قُبَالَةَ المَوْتِ البِدائيِّ مِثلَ جُرذٍ يتُوبُ إِلى الإِيابِ
في حقلِ الدَّناءةِ والوُحُوشِ.!
وأَمامَ حضْرَةِ اِخْضِرارِ العِشقِ أَتضوَّعُ بِبلاَدتي
ماحِيَاً ذِكرى الحُثالَةِ عن جَبِيني دونَ خَوفٍ.!
سُندُسُ اللَّحظاتِ المجنُونَةِ يمنَحُ رُوحي القديمةَ
اِرتِباكَ وُعُولٍ هزيلَةٍ تُغادرُ بحُمرَةِ نزْفِها ذِكرى وَضِيئَةٍ كثَّلجٍ
ومرِيرَةٍ كالدَّمعِ في البارُودِ لتحُطَّ نِثارَها عندَ مِحنَةِ الفُؤادِ
المسْجُورِ بالقَمعِ في قُيُودٍ تناوِئُ رَحمَةً ثَكلَى.!
تُغرِيني جِنازاتي العمْياءُ بالأَغاني التي تتخلَّعُ كالأَسنانِ
حينَ تصهلُ بضغطِي المُشرئبِّ نحوَ اِحتِساءِ كوبِ الجراثيمِ
التي غَدتْ تِرياقَ أَورامي في المُنحنَياتِ.!
تخنُقُني أَلْوانُ الطَّلاسمِ بعُفوناتٍ سَقيمَةٍ وجَزعٍ مُتَشوِّكٍ
حيثُ لا شفاعاتٌ تُفيدُ الأُفقَ دونَ اِضطراباتٍ حادَّةٍ
ولا أَفاعٍ تُهادِنُ وُجُوهاً دونَ قَتلَى مُتجَسِّدينَ كأَرواحِ دُمَى.!
لَيسَ سِوى حنافيشَ هُناكَ ومُقنَّعِينَ ومعقُوفينَ ورُكاميِّينَ
نخرُوا جباهَهمْ بِفَسادِ الطَّبيعة في أَيِّ شَيءٍ.!
أَشُمُّ جذْوةَ سُمُومٍ تتدَاورُ في جواريرِ خلايا ورَتْقِ جُيُوبٍ
وفحِيحُ ضَجَرٍ عجيبٍ يدُبُّ في لَمعاني كخناجرَ مُتناسِلَةٍ
إِلى أَوْطانِ حَقائِبي:
– من بطنِ القَبيلَةِ والغنيمَةِ والمَدينَةِ والتَّخلُّفِ.
– من جسدِ أًنثى مَشرِقيَّةٍ لمْ يتهدَّلْ لَحمُها بعدُ.
– من جَلَساتِ نهرٍ عندَ بَدءِ عزفٍ بِعُودٍ مُدَمَّى.
فأَهرُبُ مِثلَ جَوادٍ عجُوزٍ مُترعٍ بطَعناتٍ وجُوعٍ قديمٍ
مُفْتقِداً طُرُقي الأُولَى عندَ فرائِشِ حُقُولٍ غابتْ قَطائِفُها
غارِقاً في متاهةِ البَحثِ عن متاهَةٍ أُخْرى تنأى عنّي
الجِنازاتُ أَخفُّ مِنْها وَطأَةً في اِحتفاليَّاتِ بلادٍ مُحدَودِبَةٍ.!
………………………………………………….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق