شعر فصحى

فتحي عبد السميع

مصر

البومة العجوز
ـــــــــــــــــ
فتحي عبد السميع

ماذا فَعَلوا بي؟
جسدي بلا أحلام
وذاكرتي فارغةٌ
إلا مِن تصاويرَ ناعقةٍ
تَحجلُ هنا وهناك.

أتقرفَصُ في فِراشي
ظهْري للنافذةِ
وعينايَ على هشيمِ المِرآةِ التي فتكتُ بها
كياني كلُّه شاردٌ
مع الرغبةِ في أن أصيرَ بومةً.

مَن يصدِّقُ
أن هذا الوجهَ المُكرِمشَ
وتلك العظامَ المترهِلةَ
لشابٍ في الثلاثين؟
مَن يصدِّقُ
أن الفِراشَ الذي أتقرفَصُ فيه
جثةٌ حقيقية.؟!

كان صوتي بَشريا بلا شك
وربما كانت لي حبيبةٌ
أغنِّي لها في الخلاء
أو تحتَ الشبابيك
لا يمكِنُ أن أكونَ ولِدْتُ هكذا
بحنجرةٍ نِصفُها عواء
والآخر أنين.

أذْكُرُ أني كنتُ صَبيا
وأنهم ضَبَطوني أتطلَّعُ أثناءَ سيري
إلى ذراعيَّ المفتوليْن
وصدري الذي يبرزُ مِن الجلباب
أذْكُرُ أنهم حَبَسوني في بنايةٍ مهجورةٍ
وفي الصباح
أوثَقوني في جمّيزةٍ مثلَ لعنةٍ
وجَمَعوا الناسَ في صفٍ طويل
أمَروهم بِصَفْعِي
ثم جرَّدوني مِن ملابسي
تَرَكوني أعودُ إلى الدار
وكفَّايَ بين فخذَي
يُرْبِكانِ هرولَتي
ولا يَنجحانِ في سَتْرِ عورتي.

لا شكَّ أنني كنتُ صبيا شقيا
أصعَدُ النخلةَ
وأصطادُ الزنابيرَ
أعتبِرُ السعفةَ فَرَسا
وأرمَحُ بها في الشوارعِ
أغيبُ في الزراعاتِ
كي أُنعِشَ جسدي في حضنِ الترعةِ
وأملأ حِجْرَ أُمِّي
بالثمارِ التي اكتَمَلَ نضجُها
وخَشِي التُّجارُ فسادَها في الطريق
لا شكَّ أنني كنتُ صبيا جميلا
غيرَ أني لا أذْكُرُ شيئا
قبْلَ اشتعالِ النارِ في بيتِنا
وخروجي منها
بلا أهلٍ ولا ذكريات
مخلوقا مِن الرمادِ الخَشِن
يَرْهبُ النهرَ والعصافير
ولا يَعثرُ على نفسِه إلا هنا
وسْطَ الزوايا التي
لا يلمسُها النورُ أو الهواء
يُعطي ظهْرَه للنافذةِ
ويفكِّرُ بهدوءٍ
في ارتكابِ الجرائمِ التي دَفَعَ ثمنَها
ولم يرتكبها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق