شعر فصحى

نامق عبد ذيب

كأنَّ الحَمَامَ أضاعَ الرسائل
نامق عبد ذيب – شاعر من العراق
.
.
ما لي كلّما أغتربَتْ روحي
أحدّقُ في السّماءِ باحثاً عن طيورٍعابرة
ما للرياحِ تأخذني إلى غيومِها
فتورّطُني هناكَ بمطر ٍخديج
ما للبساتين تفضحُ ضَعْفي أمامَ قُبّرةٍ تائهة
ما للأغاني تتكوّمُ مثلَ رمال على شفتي
ما للأشياء تـُبعدُني عن مُسمّياتِها
أفكـّرُ في الرّبابَةِ
وأرسمُ على حائطٍ سلّةً من حِراب
كأنني لستُ أعرفُ أغنّي
كأنّ عليّ أن أكسِرَ القفصَ لأمتحنَ قلبي
لطالما غنــّيتُ حتى صمتـَتِ الريح
لطالما خرجْتُ من الأغاني
وأنا أحضنُ آهتي بيدين من نايات
أكانَ عليّ أن أصدّقَ ما يقولـُهُ الرعاة عن الغيوم ؟
قلتُ للرّبابةِ هؤلاءِ يسرقونَنا
هم ورّطوا الغيومَ بربيع لا تعرفُهُ
أخذوا الخيولَ إلى إسطبلاتِهم
ومنعوها من الصهيل
أخذوني إلى الحفْـل لأغني عن الحبّ
ولكنّ الصدى أعادَ ليَ الأغانيَ
وهي تشهقُ في العاصفة
كانتِ الأكاذيبُ تتجمّعُ مثلَ سَخـَـامٍ في الجرائد
كانتِ الجرائدُ تخرجُ ملفوفةً مثلَ جراح في الضمادات
والسيداتُ يبكينَ على نجومِهنّ التي تُساقطُ
ضوءَ أيامِهنّ في السواد
هل كذبتْني الأغاني ؟
هل أخذتْني الربابةُ إلى ما لا أعرفـُهُ من الصحراء ؟
أنا ابنـُكِ أيتها العتاباتُ التائهة
بينَ بُروج الليالي الوحيدة
أنا ابنـُكِ أيتها العباءاتُ المرفرفة
في وهج النهارات السعيدة
أنا ابنُ الحكاياتِ
تـُؤخِّرُ نهاياتِها إلى أنْ أنام
أنا ابنُ الليالي
أتوحّدُ في سوادِها ،
ولكنّ الفلكيَّ يُعدّدُني في النجومِ
حفظتُ حُمْرة الوردةِ من شوكةِ الأصابع الغادرة
وخرجتُ أقودُ السّحـَابة َ بغفلةٍ عن الرُّعاةِ
إلى زهرةٍ في الفلاةِ البعيدة
وحينَ رأيتُ رؤوسَ الحِرابِ تمدّ أعناقَها في النشيدِ البعيد
هربتُ من المدرسة…
كانتِ الموشحاتُ تركضُ خلفَ الكمنجات
والكمنجاتُ تحني ظهورَها
خائفةً من عصا المُعلـّم
والمعلـّمُ يغلقُ الشبابيكَ خوفاً على الأغاني
من المارشات
ألأنني ارتجفتُ ضربَني المُعلـِّم على رؤوس أصابعي ?
كانَ النشيدُ مُربـِكاً
كانَ النشيدُ ممتلئاً بالدماءِ التي سربلتْني
وحين التفتُّ إلى صاحبي
كانَ يهربُ
والصباحُ في ساحةِ المدرسةِ أسودُ كعباءَةِ أمّي
كانتْ ( بلادي ) هناكَ مُعلّقةً
بين ساريتين ِ ترتجفان :
الأولى تقفُ عاريةً في الفراغ
والثانية ُ تعدّدتْ في المشانق
كلّ مِشنقةٍ تشنقُ أخرى
كل مِشنقةٍ أحقادُها تترى
كأنَّ بلادَنا جهنمُ الكُبْرى
كأنّ بلادَنا هربتْ …
كأنّ الأغانيَ السعيدة َ
لم تكن أغانيَ سعيدة
كأنّ ( لا خـبرَ ) يأتي من الجميلاتِ
وهن يرقصْنَ في المساءاتِ على خُدودِ أحبابـِهن
كأنّ أحبابَهنّ خرجوا إلى الدّبْكةِ وتاهوا في غـُبارها
( لا خبرَ ) أيتها الكمنْجاتُ يُخـبرُ مُعلّمنا
بأنّ الموسيقى هربتْ من حماقةِ المارشاتِ باكيةً
بكامل ِ أشجانِها …
( لا خبرَ )
كأنّ الحَمَامَ أضاعَ الرسائلَ
كأنّ موزّعَ البريدِ أضاعَ الحقائبَ
كأنّ الخيولَ – في طريقِها إلى الحرب –
أعارتْ صهيلَها لنسوةٍ ثاكلات
كأنّي أحدّقُ بينَ عيني غراب
فأرى جمرةً في الخراب
فأرى زهرةً في السّراب
فأرى المناديلَ مرميةً في التراب
فأرى الحامضَ الحُلوَ – مُكلًلا بالذباب
فأرى الشموعَ مُطفأةً في الغياب
.
.
( لا خـَبـَر )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق