فعاليات ثقافية

دراسة محمد يونس

عبد الرضا صالح

الحقيقي والمفترض في التعارض الدلالي محمد يونس
رواية سبايا دولة الخرافة لعبد الرضا صالح محمد

سلطة العنونة ايدلوجيا – مثلت عنونة الرواية تعبيراً واضحاً في اطار سلطته على الفكرة ايدلوجيا، فأن فكرة المؤلف ماثلة في عنونته بشكل دال، ولا نحتاج الى تفسير آخر للاستدلال عليها، ولا نقصد بذلك أن نقوم بتفسيرنا بغرض نقدي، بل لمجرد نشترك مع التلقي في بيان ذلك، ومن حق المؤلف شخصياً أن يؤكد ذلك في خطاب ادبي, وعلى وجه الخصوص أن القضية ليست ذاتية وشخصية، بل هي أبعد من ذلك، فالمؤلف هنا أناب عن شريحة واسعة من الناس، لتمثيل الموقف بصيغة ادبية – انسانية, وهي أهم وأوسع في دور البعد الدلالي، ليحمل وزر خطابهم نيابة عنهم، بهمة شخصية وفاعلية ادبية، وطبعا لابد من أن يواجه خطاب ضدي سيقف أمامه بدلا عنهم، برغم أنه حيادي في أساس خطابه الروائي، وتلك مهمة لم تتوضح بشكل جلي، لكن من المهم أن نشير إليها، ونؤكد أن ايدلوجية العنونة ليست لصالح طائفة المؤلف، أو موقفه الشخصي كفرد اجتماعي، فهو أدبيا قد تجرد من أن يضع في باله هم طائفة كخطاب له، وبالرغم من أن عنونته لا تشير إلى ذلك، وذلك عائد لسمتها السيمولوجية التي لوحت بها بوضوح، وعلى وجه الخصوص بتعبيرها الشائع علاماتيا او اشاريا، لكن مضمونه الذات الواعية أبعد بكثير من الهدف الذي يعكسه التلقي الى العنونة ويحيلها اليها، فيما هو هاجسه هو، ولنفترض تلك العنونة بيان شخصي للمؤلف، أليس هو مثال لوجود عام أدبياً، ومن حقه التعبير بالصيغة التي يشاء عنونةًً ومتنا، ويتحدد حسب التوصيفات النقدية رؤيا هبه ولا يحتمل غيره إلا عمومها أو يكون يشاركه في صفة العموم تلك .
لقد شاعت جملة – دولة الخرافة – اجتماعيا، وايضا صار لها أصداء متعددة انثبولوجيا وعقائديا، فالغلبة تتضامن مع مضمون تلك الجملة الإشهارية في تمثيلها للعنونة، بالرغم من الإحساس النفسي السلبي تجاهها، بشكل أيديولوجي ثيوقراطي، شكل الموقف الاجتماعي العام توافقا ضمنيا مع العنونة، على وجه الخصوص بما شاع من صور وخطابات وأفكار، وتلك الحزمة من الصور، هي جميعا كانت تعكس من خلال العنونة اشاريا وسيميائيا، وبذلك اكتسبت العنونة سمة اشهارية اوسع مما يتوقع لها اذا كانت بصيغة أخرى، غير تلك التي تعرف بها، وهذا على مستوى بيانية العنونة أدبياً وانثربولوجيا، أما على المستوى الاجتماعي، فهي في اطار العموم اكدت بلاغة اجتماعية، فهي تبنت الموقف الاجتماعي بأسلوب أدبي، وهذا يعني جعلت الموقف الاجتماعي غير مرتبط باي دافع سياسي أو طائفي، بل جردته من كل دافع إلا الإنساني، فهي تبنته بشكل واضح.
إن الوعي ذو الحساسية العالية في العنونة جعل المؤلف يمكنه قراءة استقبال القارئ للنص من خلال عنونته، التي هي مثال وعيه وانعكاسا له، حيث أن التلقي في عنونة رواية – سبايا دولة الخرافة – ليس تقليديا هو بموقفه، والذي قد تضامن مع موقف المؤلف بنسب متفاوتة، ويقف في حدود أنه يشعر بالقيمة المثيرة للموقف، بل بذلك الوعي بحساسيته، والتي قد تجاوز الحدود التي تمثلها القيم الكبرى، وتجاوزه القيم الصغرى أمر طبيعي، وهو من جعل العنونة هنا تبلغ حد موقف غير معتاد، ولن تكون فقط عنونة في العرف التقليدي للغلاف، وتمثل هنا العنونة وحدة نصية بذاتها، اضافة لما تمثله من عنونة من علائق خارجية مع المشتركات الأخرى في الغلاف، واضافة لتعلقها الموضوعي مع المتن النصي، وأيضاًً كونها السمة الإخبارية الأساس .
تحولات الحبكة الحقيقية والمفترضة – مثلت شخصية المحور في نشاطها المسرود, تنوعاً ايقاعياً متعدداً في كيفيات عدة, منها حقيقية ومتصلة بتمام فكرة الحدث ومعناها الحقيقي, وأخرى كانت قد افترضت ليكون هناك تكامل حدثي، هو مركب بين من هو حقيقي، وبين ما هو آخر مفترض, فإسحاق حقيقي وله تاريخ, وتاريخيه مبني على جملة من الحقائق ومنها عندما كان في الجيش وقضية زواجه, وأمور أخرى من مضامين الحدث العام, لكن هناك قضايا واحداث لاحقة، هي بطبيعة ليست في أصل الفكرة، لكنها قد وجدت ضرورة أن تكون بصيغتها المفترضة, ، لتدعم قيمة الحدث وتوسع من مضمون الثيمة، ولابد أن يكون ذلك المفترض متوافقا مع تطورات الحدث، وهي أمور أتت فيما بعد، أي هي قد أضيفت إلى ما يمكن أن نسميه الحقيقة الحدثية، وتلك الأمور تعتبر هي متخيلة ومنتجة لاحقة من الفكرة الأساس، وتشكل تلك الإضافات معاني مكتسبة لتطوير الحدث، ويرى أكثر من ناقد انثربولجي، أن المجتمع في تحولاته، هو سيكون فارضاً من الأشكال الروائية ملامح جديدة، وهي التطورات داخلية، وهي تعيد صياغة الحبكة، وتخرج المضاف من الحبكة التي هي هيكل عظمي يحتاج من يكسيه، ولا يهم حبكة ما نمط الذي ستكسى به، والأهم في أنه سيكتسب معنى اجتماعيا يجعله حقيقياً تاماً، وهنا قد أخرج المضمون المضاف الى الحبكة التقليدية من حدها الثابت إلى الحبكة الفنية ذات الحد الأوسع.
إن المشكلة التي تعاني منها الحبكة هي ليست تشبيها كقناة استقبال لا إرادية، ويقوم الفعل السردي بدوره في استلام المواد الخام من الذاكرة عبر تلك القناة، والتي متجهة من أعلى إلى أسفل، أي إن الذاكرة البشرية هي الجهة العليا، وهي جهة أفكار، فيما جهة الفعل السردي هي الجهة المستلمة وهي أدنى من جهة الذاكرة، ووضع الحبكة المائل تمكن الفعل السردي من تلبس الأفكار، وتحويلها إلى أحداث وأفعال وسلوك، وفي سياق المهمة السردية قدمت رواية – سبايا دولة الخرافة تنوعاً ايقاعياً متعدد الدلالات، المباشرة في هدفها الدلالي العام، والغير مباشرة في أبعاد رمزية، والمعاني المضافة واسعة الاستدلال، ومن هنا نشط زمن الفعل السردي، وتمكن من تأدية وظيفة مختلفة، يمكن أن نقر أن الحبكة بتطورها، قد أصبحت تؤدي وظيفة من ضمن الوظائف التي عرف بها بناء الرواية ليس افقيا فقط، بل أصبح الحدث يحتمل التوقعات غير المباشرة، والتنوع الدلالي المتطور، واكتساب المعاني غير التي على البال .
ما بقيت الحبكة التقليدية في الرواية بتوصيفها المعتاد، فقد اهتم المؤلف بتطويرها إلى حد يكون لها دور وظيفي، حتى من الممكن أن تتطور نسبيا لتكون مؤهلة وظيفيا، وكما لابد من الإشارة لدور المبنى الحكائي في الجانب الأساس للحظة التاريخية التي اتصف بها في الرواية، وهي ما يمنح الحبكة الطاقة الديناميكية، وليس تبقى الحبكة بذات صيغتها، وأيضا هنا نمط الحكاية قد عكس معنى مختلفا ووجهة نظر أخرى، فالحكاية التقليدية والنمطية الطابع تحدد سكونية الحبكة وجمودها، لكن الحكاية في الرواية هي قد شرعت بالظهور قصصياً، فأكتسبت تلك الحبكة الفنية، وطبيعي ثمة فارق بين حبكة تقليدية وأخرى فنية هنا يبديه عنصر الخيال الخلاق، والكشف عن أطر التوظيف في الثانية أشمل، فيما الأولى هي ليست إلا صورة لمجمل مكونات الحكاية بلا ملامح ولا نشاط وظيفي، وهذا ما تعدته الحبكة الفنية التي عول عليها عبد الرضا صالح محمد في تأهيل إطار القص الفني فيها، وعلى البث في كيان الروي المعاني المختلفة والمكتسبة، والتي قد تبث في كيان المضامين الثانوية الحياة وتنشط دورها، وبتطور الخيال الروائي وتخليقه، كانت تلك المضامين وحدات سرد مهمة، وإضافة غنية للمتن الحكائي، وإن تطور الفن الروائي هو عامل أساس في ما تسعى إليه وظائف الحبكة الفنية.
غادرت رواية – سبايا دولة الخرافة – هدف الحبكة التقليدية، فهو الذي يجعل الحكاية بسيطة ومألوفة وخالية من الثراء المعنوي والقيمة، ومفرغة أيضا من السعي إلى التكامل الجمالي، ولا تمسك بخيط ولا نفس ولا إيقاع يدلل على السعي إلى الأهمية، ولا يمكن أن تخالف الحبكة التقلدية واقعها، والذي هو بلا ملامح ولا نفس لولا تدخل الفعل السردي، فيما النشاط المتفوق الذي سعت إليه الرواية في الحبكة الفنية هو من يفرض على الفعل السردي استغلال عنصر الزمن بشكل أوسع، وعدم تنميط ذلك العنصر، واسعاف الصور الجانبية، وكما في الرواية قد تطورت شخصية إسحاق من نمطها العام، إلى نمط متعدد التوصيفات، فهو قد عمد إلى اخراج جواز مزور، وسعى إلى الاندماج مع متطوعي قوى الإرهاب والتظاهر بالتوافق معهم، وكل تلك الصفات لم تكن اساسا في شخصيته، ولم تكن من مقوماته الاجتماعية الأساس.
تقابل الدلالات المتعارضة المعنى – قدمت رواية – سبايا دولة الخرافة تعارضاً دلالياً واضحاً، واساس وضوحه من خلال مواقف الشخصيات واختلافها، في اتجاهين متعارضين، في عدة وجوه للمعنى، منها الإنساني وطبيعته العليا، التي تستوجب الحفاظ عليها وليس استهلاكها، وبالشكل غير مهتم حتى بقتل الأنسان, وأي انسان ذلك الذي مسالما ولا علاقته له حتى بالتعارض الأيدلوجي، وهذا ما تمثل في الموقف الذي مثله اسحاق ازاء نارين الأيزيدية المسبية، ليس اهتماما بها لشبابها الغض،بل استهجانه بسبي النساء بالصورة المخزية، ولا تمت للحياة المدنية بأي صلة، وما زاد في ذلك تركه الباب مفتوحا متيحاً لنارين الهروب، وهذا هو ما تمناه في نفسه، وكذلك ما هو أدنى من الموقف الإنساني، والذي هو البعد الأيدلوجي التعارضي، والذي مثله أيضا إسحاق ليس كمسيحي تعرض إلى القهر انسانياً، واندفع لمقابلة الأذى بذات الصورة المشينة، وهذا أنه يقابل دلالة مشوهة بأخرى مثيلة لها، لكن ادارة الرواية من قبل المؤلف سعت الى أن يكون التقابل الدلالي مضاداً بل بتوازي يدعم صفة التضاد المضموني، ولكن عبر مضمون وقيمة العامل الإنساني وما يرتبط به من صور، كانت الصور تدل دلاليا موقف يحيلنا الى آخر، فمن إسحاق إلى الراوي، ومن الراوي إلى العنونة، ومن العنونة إلى الواقع البشري، وهنا يعني أنها توجه البعد الدلالي بلغ اقصى مدياته .
شكل التضاد الدلالي اشارة لجهود الروائي بلاغيا، وحيث أن تلك البلاغة تحسب لجهوده، والتي كان فيها مجرداً ولا ملتزما حتى موقفه الاجتماعي، ومن الطبيعي أن يبدو بتلك الصيغة التي تعكس وجه صراع متحتم، فكان احساسه الروائي رغم العمق الذي مثله القهر الإنساني، الذي لم يكن على مستوى واقعه الشخصي، هو متمثل في شخوصه، والذي كانوا امثلة للقهر الإنساني بالصورة المثلى ادبيا، ونشيد بالدور الأنثربولوجي للمؤلف، فشخوصه الذين مثلوا الموقف العام بمستوى دلالي واضح، حتى كأننا نلامس خطاب المجتمع، وشخوص الرواية وأمثلة المؤلف الأدبية، أنهم كانوا كبشر بكل ما من معنى تحمله الكلمة، أكثر مما يمثلون كيانات مادة أدبية، وهذا مهم أن تجعل شخوصك الورقيين من لحم ودم، وقد توفق خطاب سوسيولوجيا المؤلف اضافة إلى بث حياة حقيقية في كيانات شخوصه، تمكن من تمييز شخصياته الأدبية بما هو مفترض، ودمج نشاط الخيال الروائي، بما هو يمثل زمن حقيقي من واقع اجتماعي ملموس، ولا يحتاج الاستدلال عليه، وبذلك قد تنوع ايقاع الرواية واكتسب ميزات في التلاقي الدلالي بتناغم، وتنافر دلالي بشكل جعل الإيقاع بذلك التنافر على مستوى واحد، لكن نفسيا وسلوكيا تبدى ذلك الصراع بوضوح, وتلك الميزات الدلالية اعتبارية كانت في كيان رواية – سبايا دولة الخرافة – لعبد الرضا صالح محمد، والذي قدم تجربة جديدة في خطابها الروائي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق