موتي يجرون السماء
ديوان للشاعر / موسي حوامدة
عرض وتقديم / محمد حلمي السلاب
رئيس نادي أدب شربين
2 فبراير 2019
(موتي يجرون السماء) ديوان للشاعر موسي حوامدة، عنوان شيق يكتنفه الغموض والرهبة والقدرة علي جذب انتباه القارئ . يستدرجنا الشاعر من خلال ديوانه إلي نقاط متنوعة ومتعددة للألم منبها إلي أن القبح مازال يحارب الجمال ويحاول أن يدحره كما لو كان الباطل يحارب الحق ويمني نفسه بالانتصار وهذا هو المستحيل بعينه .
” موسي حوامدة ” من خلال ديوانه أثبت أن لديه القدرة علي اعتصار ما أثمرته رحلته مع الحياة ومكوناتها وتقطيرها في مقطوعات شعرية شديدة التكثيف تكشف بإصرار عما لا يراد له أن ينكشف ، في كلمات مصوبة نحو الهدف بدقة ولا مجال للعبث أو الثرثرة .
(موتي يجرون السماء) يحتاج إلي قراءة متأنية فالديوان يحمل بصمة الشاعر الخاصة علي صعيد اللغة والأسلوب محاربا القسوة بمنتهي القسوة! ولا أجادل أن الكتابة عن قصائد حوامدة مغامرة شاقة يتطلب الخوض فيها كثيرا من الحذر فالشاعر لم يعط ذاته ولا قراء ديوانه إمكانية للعثور علي فرصة راحة أو التقاط الأنفاس أثناء قراءة الديوان .
اختار الشاعر عناوين قصائده بعناية بالغة فلا يعطي القارئ الفرصة بالانتقال بسهولة لأبيات القصيدة دون التمهل والتفكر في مكنون هذه العناوين، فضلا عن موضوعات القصائد ومناخاتها والطابع الذهني الصادم الذي يجعلها متشكلة في عقل الشاعر وتصاميمه المسبقة أكثر من كونها تعبيرا عن لهب الداخل واحتداماته .
(موتي يجرون السماء) يبدأ بالهتاف ولا نملك إلا أن نهتف مع الشاعر ، كان الهتاف للوردة وللدم الفلسطيني الذي تلون بلونها .
يقول الشاعر: ( لم نعد نملك ما نقدمه لكي نصون الدم الفلسطيني – لم نستطيع وقف المجزرة – لم نستطيع لجم العدوان – لم نستطيع تغيير العالم – حسنا – لنفعل أشياء أفضل – لنهتف للوردة – سلاما أيتها الحمراء كلون الدم الفلسطيني – سلاما أيتها الذكية – سلاما وأنت تصدين جنازير الدبابات – بأغصانك الواهية – بلحمك العاري – بسحرك البسيط – وأوراقك الطرية – لصرت وجها جديدا لاحتفالات العشاق)
واقع أليم يرصده الشاعر ويحاول أن يضفي علي الحزن بهجة بطريقته، ورغم قسوة العبارات إلا أنه لا مجال للمبالغة بل هو خيال يرتقي للواقع .
وأنا بدوري أتساءل هل سيأتي ذلك اليوم الذي يشبع العالم نفسه لطما علي صمته وعزوفه عن حماية الوردة الحمراء من أقدام العابثين، عن صمته المبالغ فيه تجاه قضية عالة لا تجد من ينصرها !!
قصائد موسي حوامدة تنتمي إلي التيار الواقعي الصادم الذي يذكر من يصرخ أنه يصرخ فالشاعر يبدي اهتماما بالغا بالتواصل مع ذاته والبوح بمكنون أفكاره التي نكتشف أنها أفكارنا نحن – تلك التي تجابه أقدارا معاندة ورياحا مضادة للواقع الذي يتمناه الشاعر وطموحاته .
حوامدة تآلف مع الكون وتآلف الكون معه بصدق ونبل قضيته ويتساءل من خلال قصيدته سؤالا ضمنيا: ألا تري الطبيعة ما يحدث للدم الفلسطيني .. فلماذا لا تثور ضد ما تراه من ظلم وبدوري أساله لماذا لا تخضع نقدك للطبيعة لعوامل الفلسفة والمنطق ؟ إلا إذا كنت تقصد طبية البشر التي لا يجب أن تعول عليها كثيرا !!
يقول الشاعر: (مضى وقت طويل ثقيل- والطبيعة صامتة تمارس- التحديق في جراحنا- شهداؤنا كثيرون – لكن حياتنا قادمة – موتانا جميلون لكن – جيناتنا قادمة )
الشاعر يعلن أن الأمل قائم وكل ما في الأمر أن الأرض يتم حرثها حتى تستقر الحقيقة وتنمو وتزدهر معلنة عن نفسها ويؤكد عدم هروبنا من الأمل وأننا لن نقتلع من إنسانيتنا. ويقول الشاعر أيضا: (ستبقي الطيور لنا – الطيور التي ظلت تطير بعد – خيانة السماء ) وأقول له لا يا صديقي الشاعر.. السماء لا تخون لأن ليس لها جينات البشر وقبحهم ، السماء لا تخون هي تصبر فقط حتى تري وتقرر متى وأين تمطر ؟ تمطر للجميع ولكن حتى حين !
وفي قصيدة (حين يأتي الموت) يعترف الشاعر بسطوة الموت وحتميته بل أشعر أنه يتودد إليه بجنوحه إلي كثرة وطغيان الحديث عنه ! بل يصل به الحال إلي إعلانه أنه سيبصق في وجه الحياة حين يأتيه الموت حيث يقول : ( حين يأتي الموت – سأبصق في وجه الحياة – سأقنع نفسي أن الدنيا بائسة ) وهنا يظهر الشاعر غضبه وحنقه علي حياة لا حياة فيها !
بل يزيد الشاعر متهكما علي الناس كل الناس حيث يقول : ( والناس كل الناس – ديدان صفراء – حين يأتي الموت – سأزرع الغروب في حديقة الغياب – أعلن هزيمة الإنسان – وألقي فلسطين – في دفتر الغياب ) وأري أن الشاعر محق ولكن ليس كل الناس ، كلهم إلا من رحم ربي ما زالوا يقولون كلمة حق في وجه عدو قاتل يستبيح دماء شعب أعزل !
وإمعانا في هجومه علي أشباه البشر يقول : ( كلما كان عدد المشيعين أقل – كان ضميري أكثر بياضا – وكلما كانت الدموع أقل – كانت أخطائي أجمل ) الشاعر يبحث عن الجمال ، عن الضمير ، عن قيم غابت بفعل فاعل ! وما زال الشاعر يصدمنا بقصائد لا تهدأ أو لا تستقر ، قصائد تتميز بجرأتها وتلعب كل المعاني المرسومة بحرفية علي أن تصل لن لا يريدها أن تصل إليه . موسي حوامدة اتخذ من الكتابة فعل مقاومة يقاوم شجونه تلك التي جعلها دافعا ومحركا للفعل الكتابي ، يستثمر حزنه لممارسة فعل المحبة فمن يكتب عن الألم ، عن الضمير الغائب ، عن الحق ، عن الجمال .. أليست قضاياه عادلة ويمارس فعل المحبة !
وفي قصيدته السادسة (موتى يجرون السماء) اختار الشاعر أن يكون عنوان القصيدة عنوان واحده من قصائده والمعني المقصود عامة من مثل هذه العنونة يرمي إلي تنبيه القارئ إلي مكانة خاصة لتلك القصيدة في عين الشاعر ودعوة للقارئ لايلائها في القراءة اعتبارا خاصا .. يقول الشاعر : ( موتي يجرون قبورهم نحو السماء – أرملة تقرص خد النهار – كمثري جافة – حديد طري – أشجار سرو تهبط علي سطح الخوف – تنز دما عن الفجر– تبكي جنودها الأسري – أغادر منزلتي الأخيرة – أجلس تحت سور الصباح- أراقب سوط الضابط – يجلد فأرا ميتا – ليرهب الكلاب الضالة- ليقتل الأفكار الحرة) وتلك هي قضية القضايا في عالمنا العربي كيف ينظر بعضنا للبعض الأخر وكيف نتفنن في صنع الهزائم المتوالية ، فعندما تموت الأفكار الحرة فلمن تكتب الحياة ؟ لمن ؟
لمن تشرق الشمس ؟ لمن تعيش الحقيقة ؟
وفي قصيدة لا تقل روعة عن قصائد الديوان ( وللندم الذي يخلفه الموتى ) يعلن الشاعر لمن ينجذب ، لمن يتعاطف ويتبني قضيته وحكايته كما لو كان نصب من نفسه محاميا يدافع عن كل أنواع القهر والظلم ويحاول أيضا أن يكون رجل إطفاء يساهم في إطفاء الحرائق المشتعلة في كل مكان يقول الشاعر : ( انجذب للحريق الذي يرسل – السائلة المباشرة للفراغ – انجذب للأمل المقلوع من الجذور – انجذب لصراخ الجسد ونفور الحلمات – انجذب للمومس المتقاعدة في كازبلانكا – للعصفور المريض في سيريلانكا – للشغالة الفلبينية المغتصبة ) وتتوالي الانجذابات ( انجذب للمرأة المضطهدة – للبنت المراهقة تخبئ دفتر أحلامها – تفتش شاشة الموبايل – بحثا عن رسالة حب طائشة ) وتتوالي الانجذابات كما لو كان المجذوب الهائم علي وجهه لديه قناعة بأنه يدرك ويعي كل شيء ولكنه لا يملك من أمره أي شيء ، فالأمر خرج عن المألوف وفاق كل تصور ! وتتوالي القصائد بنفس الوتيرة القوية تدور في نفس الفلك وتجعلنا نعيش الصراع واحتدامه . موسي حوامدة يحاصرنا حتى نستجيب له ونرفع أيدينا عن آذاننا لنسمع صراخنا المتواصل ولا نتجاهل واقع يتجاهلنا وندعي أننا ما دمنا نعيش فكل شيء علي ما يرام !! موسي حوامدة يهددنا في قصائده ويؤكد أن مازال لديه الكثير وأنه يقول وسيقول رغم كل شيء وسيسمع الناس منه اليوم أو غدا فهلا استمعنا إليه؟.
*/*/*/*/*/*
ومما هو جدير بالذكر أن موسى حوامدة شاعر فلسطيني، من مواليد بلدة السموع بمحافظة الخليل سنة 1959 م، درس الثانوية فى مدينة الخليل واعتقل أكثر من مرة عندما كان طالبا فيها، التحق بالجامعة الأردنية للدراسة فى كلية الآداب واعتقل فى السنة الثانية وسجن فى زنزانة منفردة لمدة ثلاثة أشهر وفصل من الجامعة لمدة عام واحد ثم عاد. وتخرج فى قسم اللغة العربية عام 1982.
بدأ نشر قصائده فى ملحق جريدة الدستور الثقافى بداية الثمانينيات حينما كان طالبا ونشر أول مجموعة شعرية بعنوان «شغب» (عام 1988 فى عمان). منع من السفر والعمل حتى بدأ عهد الديمقراطية فى الأردن فالتحق بالعمل فى صحيفة الشعب ثم الدستور ثم عمل مدير تحرير فى جريدة العرب اليوم ويعمل حاليا مدير تحرير الدائرة الثقافية فى الدستور الأردنية.
ولديه ثلاثة كتب نثرية فى الأدب الساخر منها «حكايات السموع» (2000 عن دار الشروق فى رام الله وعمان). وترجمت منه ليلى الطائى ملتون لمجلة بانيبال الإنجليزية فى العدد الأخير الذى كرس للأدب الفلسطينى الحديث.
صدر له «سأمضى إلى العدم» ، «شغب» 1988 عمان، «تزدادين سماء وبساتين» 1998 دار الفارس والمؤسسة العربية 1998، «شجرى أعلى» المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1999، «أسفار موسى العهد الأخير» المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2002 وعنها أيضاً «من جهة البحر» 2004، «سلالتى الريح عنوانى المطر» دار الشروق عمان ورام الله 2007، «سلالتى الريح وقصائد أخرى»، مختارات شعرية عن هيئة قصور الثقافة القاهرة 2010، «موتى يجرون السماء» دار أرابيسك القاهرة 2011.