* الشعر الحر/ قصيدة النثر/ قصيدة التفعيلة
الناقد العراقي / عبد علي حسن
منذ ظهورها في البنية الثقافية العربية وافدة من منشئها الفرنسي اواخر خمسينيات القرن الماضي وقصيدة النثر كجنس جديد تعرض ويتعرض لحد الآن وعلى مستوى الإجراء والتنظير الى ارتباك والتباس في استقرار المصطلح وعدم وضوح المعايير البنائية ، الأمر الذي وجد فيه (كتابها ) انفسهم في منطقة مرتجة وشك في يقينية مايكتبوه ووصل الأمر بهم مطالبة النقد النأي عن المعايير التي توصلت اليها سارة برنار في دراستها المهمة لقصيدة النثر الفرنسية من بودلير الى زمن انجازها لتلك الدراسة ، والتصريح بأن تلك المعايير غريبة عن المجتمع العربي متناسين بأن هذا الجنس الذي يدعون بأنهم يكتبونه انما هو ليس منجزا عربيا وانه وافدا وعليهم الأخذ بمعايير بنائيته للحفاظ على شروطه الاجناسية شأنه شأن الأجناس والانواع الأدبية والفنية التي وفدت من خارج بيئتنا العربية ولاشك فإن معايير ابنيتها وشروطها قد رافقت وفودها ، وماالتميز الا في استلهام مشاكل الواقع المحلي كما حصل في اغلب المجتمعات العالمية التي وفدت اليها ايضا تلك الأجناس وتمكنو من الباسها ثوب المحلية ، كما ان اغلب النقاد يكتفي بالتصريح بأن هذه النصوص لاتمت بصلة الى قصيدة النثر دون الإشارة الى امكانية تجنيس مايكتبوه مادام لايمت بصلة الى قصيدة النثر ، ونرى بأن معايير سارة برنار لاتزال قائمة وتضع الحدود الواضحة بين هذه القصيدة وبقية الانواع والاجناس الشعرية والنثرية الأخرى ، اذن والحال هذه يحق لنا وبعد مضي مايقرب من نصف قرن أن نضع النقاط على الحروف ونقصي الرهانات الضاغطة باتجاه ان يستجيب النقد لالتباس المفهوم عند كتاب قصيدة النثر في العراق وسواه من الدول العربية ، ذلك ان للنقد موجهاته المنضبطة وفق مايتضمنه كل جنس او نوع من معايير تمنحه هويته الاجناسية ، وحسب هذه المعايير مع مايتوفر من مناهج نقدية مناسبة يتم تحليل النصوص .
وازاء هذا الالتباس فإننا نضع من يعتقد بكتابة قصيدة النثر أن يسائل نصوصه :–
1– هل يتضمن نصه تدفقا في الجمل المكونة لنصه النثري لتحقيق الوحدة العضوية والموضوعية للنص المتخذ شكل فقرة او كتلة نثرية ؟
2– هل يكرس النص غايته في تحقيق شعرية النثر ؟ اذ أن قصيدة النثر هي نثر غايته الشعر بتجاوز اللغة الاستهلاكية المألوفة .
وهناك معايير اخرى تشكل الحدود الفاصلة بينها وبين الاجناس الأخرى كالدوافع الفكرية التي ارتبطت بمفاهيم الحداثة الاوربية .
وفيما عدا ماذهبنا اليه فإن مايكتب من نصوص تعتمد التشطير الذي يتخذ شكل الكتابة العمودية حيث تهيمن الوظيفة الشعرية على مجريات النص الذي تكون شعرا غايته الشعر وبما انه منزوع الوزن والقافية فإنه يدخل منطقة (الشعر الحر) او (الشعر المطلق) الذي ارسى اسسه الشاعر الأمريكي والت وايتمان عبر ديوانه اوراق العشب في منتصف القرن التاسع عشر وتبعه اليوت وازرا باوند ويكاد يكون الشعر الذي يكتب الآن في اغلب الدول من هذا النوع ، لذا فإن أغلب مايكتبه الشعراء العراقيين هو شعر حر منزوع الوزن والقافية لغلبة الفضاء الشعري في النص واتباعه بنائية التشطير ولاصلة له بقصيدة النثر بنائيا ومضمونيا ، اما قصيدة التفعيلة فكما هو معروف فإنه قد اجترح من معطف الموازين التي دأب عليها الشعر العمودي ذي نظام الشطرين ، هذا مختصر للالتباس الحاصل في استخدام هذه المفاهيم التي هيمنت بشكل واضح في مهرجانات قصيدة النثر العراقية المقامة في البصرة وفي جلسات المنتديات الأدبية ، ولعل من المناسب الاشارة — ونحن نشير الى هذه الالتباسات — الى ان الهدف من ذلك هو ضبط المصطلح واستخدامه بشكل صحيح على المستوى التنظيري والإجرائي ، آمل أن يحظى ماذهبنا اليه بالاهتمام والمناقشة ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .