شعر فصحى
فتحي قمري. تونس
على بلّور النّافذة ظلّ شجرة تنتظر المطر،
أبعاد حمامة وخيالها المتأثّر بهبوب الشّتاء في غفلة منها،
عراك أنسام في طور العذوبة والهوى،
وهالة البدر المشنوق كهيأة ناب نخره الظّلام،
احتفاليّة ألوان يذيب المساء المريض أناملها،
وأعقاب ندى خفيف يكاد يجفّ…
ثمّ ماذا..
حمامة على السّطح تنثر في السّماء إيقاعها
ولا تكفّ تحلم بالبرق.
وأخرى تقلّد إطراقة البحّار وهو يخيط شباكه
ويفكّر بالصَّبَا وطعم العنب.
هي ذاتها،
جناحها وصدى صوته يعذّبان سكينتي
ويعدانني بمهرجان في البحر
كأنّ نافذتي التي تطلّ على ليل بلا بحر
تعاتب شجرا مازال ينتظر.
وتراقب غطيطَ المدينة في سفحها،
لن يَأوي القمر المهدّد بالسّحاب إلى حضنها.
والسّماء العانس لا أخطاء في رسمها كي أغيّر هيأة النّافذة
أو أقيس المسافة بين عينيّ وهذا السّأم.
ربّما كان بحثي عن الأشياء الضّائعة
وشجرٍ يقف في ليل الشّوارع كما في الجبال ممزّقا،
ربّما كان السّؤال الطّليق في رأسي
عن مدنٍ لم تعلّم طيورها كيف تهاجر بحثا عن الزّرقة،
ونساءٍ يجمعن النّهر في جرارهنّ ولا يحلمن بغير الرّضى،
ربّما كان المساء مليئا بطعم الكآبة و الضّجر
ربّما اشتقت إلى رفع السّماء قليلا كي أتنفّس،
وكي تسافر عيناي بعيدا وتزرع حقلها زرقة.
أغمض عينيّ فأنسى وداع الجهات الأربع
تُخلط في ذاكرتي زقزقة الحمام
وحفنة ألوان كانت زاهية
بخيال خطّه النّدى على البلّور قبل أن يجفّ.
أنسى هتافا يُمزّقه حوار الحمام في ركن على السّطح
عن المطر الرّاجف من أثر البرد،
واحتمال الشّجر المتكسّر عبء الطّرقات
وأضغاث مدينة لا تسهر،
وعن ظلال تضيع مفاتيحها كلّما أقبل ليل.
أنسى الإنصات إلى أنّةِ باب خرقته الرّيح.
ولأنّها لم تكن طاعنة امتلأ البيت برائحة البحر.