“إن تحريك جناح الفراشة في الصين
سيتسبب بحدوث إعصار مدمّر في أمريكا”
نعم بإمكاننا اليوم فكّ المعادلات اللغوية والبنيوية للنص بطريقة حداثية، فالنص الشِعري أصبح عبارة عن كيمياء ورياضيات وفيزياء وفلسفة…
خرج تماما من نمطية الزخرفة الشِعرية والتلاعب بتراكيب الصور أو شدّ المجاز من ياقته وحشره حيث لا يشاء.
أجد أن النظرية تصلح اليوم لتكون معيارًا أدبيًا نقيس من خلاله تأثير النص على نفسية وذهنية المتلقي، هذا مالا يؤتى حصاده فورًا إنما على امتداد الزمن.
كلنا على علم مسبق بأن للنص لذّة، كما له سطوة بل أبعد من هذا، فإن هذا التأثير يدخل في تغيير المسار الواحد.
وعليه؛ فإنّ النص المحكم ينهض بذائقة المتلقي ويجعله مشاركًا في دفع عربة التغيير والعكس بالعكس.
وهكذا نجد أن النص هو جناح الفراشة والمعنى هو الإعصار الذي يضرب بذهنية وذائقة القارئ
-مهما كان مستواه المعرفي-
ونستطيع القول إن الأثر يتحقّق في حال علق القارئ داخل النص بعد قراءته.
نحن اليوم أمام قارئ ذكي، فطن، متجدّد، يبحث عمّا يُشبع نهمه راميًا وضاربًا عرض الحائط المقروء والمكرر والمستنسخ.
إن ما يحدد النص -حسب بارث- هو قدرته على خرق وخلخلة الحدود بين الأجناس التي شيّدتها التصنيفات القديمة يقول :” إنّ النص لا ينحصر في الأدب الجيّد. إنه لا يدخل ضمن تراتب،
ولا حتى ضمن مجرد تقسيم للأجناس.
ما يحدّده على العكس من ذلك، هو قدرته على خلخلة التصنيفات القديمة “(*)
الشاعرة “سامية ساسي” تكتب النص ما بعد الحداثي، بشكل يشير إليها، وإليها فقط.
فيضطر قارئ نصها للبحث في سيرتها وسريرتها، لأنها تخاطب في نصوصها كل الفئات العمرية
وتتناول شتى المواضيع متخذة من الشِعر عالما خاصا بها، تلجأ إليه لتقطف لنا من حدائق لغتها ما يثير غيرة العطر.
تكمن جاذبية نصوصها في استدراج المعنى إلى بيتها اللغوي،
تومئ للمعنى أن أنا الفراشة اتبعني أيّها النور لا العكس.
كما أنها تُشرك قارئ نصّها في إتمام المهمة -مهمة استيعاب مايحدث داخل نصها-
فبالرغم من بساطة أدواتها اللغوية مبتعدة عن التراكيب والصيغ المستهلكة والمفردات المعجمية المعقدة،
إلا أن التراكيب الشعرية بها سحر
تلقي بعصاها لتلقف حبال دهشتنا تباعًا ولا تلتفت، بل تمضي إلى صمتها لممارسة خلوتها مع القراءة، التي تعتبرها أهم من الكتابة نفسها.
كما أن عملية إشراك المتلقي في النص الشِعري هذه بحدّ ذاتها مجازفة؛ إلا أن سامية من نوع “الكاميكاز” مستعدة لتفجير بلاغتها في وجه الناقد القارئ، والقارئ الشاعر…
غير مبالية بتبعات إنتائج هذه المجازفة.
“الفِكر بدون شِعر يُشبه -بشكل أو بآخر- منظرًا طبيعيًا دون سماء:
حتمًا سنشعر لحظتها، بالاختناق” (**)
أما “سامية ساسي” تؤثث السماء لقارئها، فيُحلّق بلذة لا متناهية غير سائل عن مدة الاستغراق في رحلته تلك. هذا ما يعزّز عملية التنفس تلك، مما يُنتج داخل دماغه رئة ثالثة تمدّه بالمزيد من أوكسجين الشِعر.
إذن نخلص إلى نتيجة حتمية مفادها، أن هذه السامية ككاتبة أنثى تغلّبت على سطوة النص وتجنيسه كما رفعت صفصاف حرفها عاليًا إلى غاية سقف اللغة، متفرّدة بأسلوبها الذي لا يُشبه ولا يتقاطع مع غيرها.
……………………………………….
(*)درس السيميولوجيا، رولان بارث، ص 61.
ترجمة/ عبد السلام بن عبد العالي
(**)الاقتباس للفيلسوف: هِنْرِي فرِيدِيرِيكْ أَمْيَلْ
ترجمة /عنفوان فؤاد
#مبادرة_أثر_الفراشة
#سامية_ساسي